الأربعاء، يونيو ٢٩، ٢٠٠٥

في لاظوغلي - 2

بما أنني كتبت ما حدث بعد نهاية المظاهرة فمن الطبيعي أن أتحدث عن بدايتها...

و بما أن كل ما التقطته من صور قد ضاع مع سرقة الكاميرا على يد المغاوير فلن أضيف صورا لهذا الموضوع.

كانت هذه المظاهرة مرهقة للغاية... حرارة الجو ، حصار الأمن، التدافع ، ضيق المساحة المتزايد ... كانت المظاهرة عبارة عن تصاعد مستمر يصل لمشارف مرحلة "الخناقة" ثم يتم ايقافها لتهدأ الأمور ، فقط لتتصاعد من جديد...


كانت المظاهرة مختلفة جدا عن المظاهرات السابقة...و لذا ليس مناسبا وضع الصورة التقليدية ( هنا و هنا) لبحلقة مساكين الأمن المركزي في الاعلاميات...

حتى بالنسبة لي : من قضى معظم الوقت متنقلا حاملا الكاميرا باحثا عن صور أفضل و "منحشرا" وسط الصحفيين -ليخرج و يدخل من الكردون الأمني دون مضايقة- ، كدت أن أسقط اعياء بعد مرور نصف المظاهرة..

( لم يخل الامر من تدافع وسط حاملي الكاميرات ، فعندما كنا نلتقط الصور ، تعرضت للكثير من " حاسب ايدك" ، " وسع شوية" ، " ابعد راسك" من صحفيي "الاتجاه السائد"( ترجمتي الخاصة لكلمة mainstream ) و لكنني كنت أرد السماجة ، لأنني من "الصحافة البديلة" ... مفيش حد احسن من حد :) )


أبدأ القص اذن...


المظاهرة في ميدان لاظوغلي ، حيث يقع المقر الرئيسي - سيئ السمعة- لمباحث أمن الدولة ، و وزارتي الداخلية و العدل ، بمناسبة اليوم العالمي لضحايا التعذيب... كفاية لم تنظم المظاهرة أو تتبناها و ان كان نشطاؤها و وجوه مظاهراتها التقليدية حاضرين... دعا مركز هشام مبارك للقانون للمظاهرة و غابت معظم مراكز حقوق الانسان الأخرى...

أقترب أنا و أحمد من مكان المظاهرة ، عربات الأمن المركزي الخضراء تملأ الشوارع المحيطة بالمنطقة ،
نتناقش في معنى اسم لاظوغلي... أقول لأحمد أن اللاظ هم جماعة اثنية تركية... فيحدثني عن أن اسم العائلة يسبق اسم الشخص في الأسماء الكورية... ألتقط صورة لمبنى وزارة العدل ، يقول لي أحمد أنه يرغب في اضافة "ي" الى نهاية كلمة العدل.......

كل ألوان الطيف كانت حاضرة بكميات مهولة : أبيض:شرطة ، أسود: أمن مركزي ، و ما بينهما من ألوان: مخبرون و رجال أمن الدولة في ملابس مدنية

كان التوتر ملموسا في الهواء ، سألني ضابط عند اقترابي من المظاهرة: " رايح فين يا أستاذ؟ ممكن تتفضل تمشي من هنا؟" أقول له : " رايح المظاهرة" ، يدفعني باتجاهها و يقول في غيظ : " طيب روحها"

كانت المظاهرة تقف في الشارع محاطة بدائرة كاملة من عدة طبقات من مجندي الأمن المركزي و أمام الصف الاول منهم حواجز معدنية...

بضع دقائق و رأيتهم يحملون فتاة فاقدة الوعي بعيدا ، فأطاردها مع الصحفيين و ألتقط لها بضع صور ؛ يهتف من يحملها :"ردي علي يا مريم! الحقونا! هاتوا اسعاف ! البنت حتروح مننا !"...
سأشاهد الفتاه ذاتها - مريم من شباب من أجل التغيير- تقود الهتافات بعد دقائق ، لن أعرف بصورة أكيدة ان كان ما قامت به فصلا تمثيليا ام لا ، و لكني سأحتفظ بشكوكي ...

أدور و ألتقط صورا للافتات : صورة لمجندي الأمن المركزي كتب تحتها "ارحمونا و ارحموهم " ، صورة لهم و هم يضربون متظاهرا اعزل كتب تحتها
"نطالب بحل جهاز الأمن المركزي" ، لوحة بأسماء شهداء التعذيب ، لوحة بأسماء ضباط متهمين بارتكاب جرائم تعذيب تحت عنوان "الجلادين" ، صورة لعينين واسعتين مذعورتين و تحتها مطالبة بتحقيق حجز خاص للأحداث منفصل عن البالغين ، "باي باي عادلي ، العيش والحلاوة علينا " ، "أقيلوه" و صورة العادلي،"حاكموا الباشوات" و صورة للواءات شرطة متهمين بتسهيل اعتداءات و لافتات أخرى لأوضاع تعذيب مختلفة ...

الهتافات كانت تقليدية للغاية .. ...تتردد الهتافات من خلف دائرة الجنود المتعددة الطبقات ... كان هناك متظاهرون خارج الدائرة .. يصاب المتظاهرون الشبان بالهياج ... يصرخون و يطالبون بفتح الحصار ، دفع و شد و جذب فهدوء... يقفز عدد من المنظاهرون الشبان - و معهم مريم - ليقفوا فوق حاجز معدني ليقودوا الهتاف... يدفعهم المجندون محاولين انزالهم فيفشلون...

بدأ الامن في "عصر" المظاهرة بتضييق الدائرة شيئا فشيئا ، عن طريق دفع الحواجز المعدنية الى الداخل .... يستند شباب بظهورهم الى الحواجز و يدفعون بدورهم محاولين منع الجنود من كسب المزيد من الأرض ... يدور حوار شبه ودي بين الجانبين اللذين يدفعان الحواجز
و يحاول الحنود التوصل لاتفاق "جنتلمان" : " متزقوش و احنا مش هنزق" ، يخطب فيهم متظاهر عن انهم فلاحون و أن آباءهم انتزعت منهم الاراضي و أن المتظاهرين تعرضوا للضرب و التعذيب عندما كانوا يدافعون عن قضايا الفلاحين...

بدأ كمال خليل في قيادة الهتافات.... نظرا لضيق المساحة فقد كنت قريبا للغاية منه... معظم "الهتيفة" يهتفون بغضب و حماس معتمدين على قوة صوتهم ، أما كمال فمختلف... ابتسامته لا تفارق و جهه ، يحرك ذراعيه ، يجذب ملابسه ، يقفز في الهواء ، يُنَغِّم صوته ، يلتفت ليواجه جوانب مختلفة ، يحيط وجهه بكفيه ، يشير ، يغمز ، يسخر ، يعبر عن صفات الشخصيات بيديه : يستخدم لغة جسده بامتياز... أعد عددا من الهتافات خصيصا للمناسبة: مطالبة بالافراج عن العريان و معتقلي الاخوان ، و هتاف عن هتلر و موسوليني و صداقتهم للعادلي ، و آخر لا أذكره بالضبط و ان كان قريبا من " العادلي يقول ... ده بيصلي؟.... زودله الفولت ... اديلوا فولتين .... العادلي يقول ... دولت مين؟ .... ناصريين؟؟؟ ... زودله الفولت ... اديلو ميتين..."
و هتافان اسمعهما للمرة الاولى: " حسني بيه يا حسني بيه ... كيلو العدس بستة جنيه" ... و " يا نظيف يا حبوب .... الشعب المصري بياكل طوب"

يدلي كمال خليل بتصريح أمام العديد من الميكروفونات أن هذا الحصار دليل على كذب دعاوى حرية التظاهر في مصر ، متحديا الامن بأن يتركوا هذه المظاهرة الصغيرة تمشي في حرية ليروا كم سيصل عددها..

يقود محمد عبد القدوس الشباب و يندفعون ليجذبوا حاجزا حديديا في الجانب الجنوبي من الدائرة... يجذبه رجال الأمن المركزي في الاتحاه الآخر ... يتبادل الجانبان الصراخ : " عااااااا" .... تنفتح ثغرة و يندفع منها عدد من المتظاهرين و هم يهتفون : " حرية ، حرية ، حرية" .... تختلط الصفوف و تسقط اللافتات على الأرض - سأشاهد لاحقا قائمة شهداء التعذيب تحت أحذية الجنود و سألتقط لها صورة- .... يسود الهرج و المرج ... وسط الشد و الجذب أشاهد حاجزا حديديا يرتفع في الهواء مشدودا بين الجانبين... أشاهد نورا يونس - من الشارع لنا- تقف فوق حاجز لا أعرف وسط هذه الفوضى كيف يرتفع نصفه في الهواء ، و تصرخ دون أن يلمسها أحد - على سبيل الحرب النفسية- : " آآآآآآآآآه" ثم تقفز لتواجه الجنود و تصرخ فيهم : " متلمسنيش ، اوعى حد يلمسني"... أمنع نفسي من الضحك بصعوبة... الصف الامامي من المظاهرة اختلط فيه الحابل بالنابل ... يهتف متظاهر مشيرا لي و لبقية حاملي الكاميرات : " صوروا ، بيضربوا البنات هنا!" ... و " الصحافة فين؟ الارهاب أهه"... بزيادة التجاذب و الدفع يرفع الصف الثالث من جنود الأمن المركزي في تلك الجهة الجنوبية من الدائرة متعددة الطبقات عصيهم و يبدؤون في الضرب... دقيقة و تهدأ الأمور...

هتافات معتادة و حمل لافتات لمدة عشرة دقائق ، ثم ، " حرية ، حرية ، حرية"... ألقي السيجارة قبل أن أكملها و اندفع للأمام لأصور... شد و جذب... تدافع و محاولة اختراق... رجل ذو شعر أبيض يهتف في أحد الحنود : " عيب يا ولد! أنا زي جدك!" فيرد الجندي: " لو زي جدي اقف مطرحك"... د.ليلى سويف تواجه الجنود مستغلة عدم اعتيادهم رؤية سيدة كبيرة في السن تواجههم... الفتيات يواجهن الجنود مستغلين ان فرصة مهاجمتهم للفتيات اقل من تلك للفتيان... الشباب يجذبون الحاجز و يدفعون الجنود مستغلين حماسهم و قوتهم البدنية...

لم أستطع تحديد رأيي فيما أراه ، فالجنود كانوا متوترين و يشعرون كانهم في ساحة حرب مأمورين بالسيطرة على مجموعة من الوحوش المسعورة غريبة الشكل... و المتظاهرون كانوا - نوعا ما - "مفترين" على الجنود بتعريضهم لصدمة ثقافية عندما واجههم مسنون و فتيات ، فضلا عن أن المتظاهرين كانوا البادئين بجذب الحواجز في كل مرة... كما أنهم يستغلون وجود الاعلام لينالوا احدى الحسنيين: اما اختراق الحصار أو التعرض للضرب على الهواء و التسبب في فضيحة مصورة للنظام ( على كل حال و على حد علمي لم تذع المحطات الفضائية أيا من صور "التدافع العظيم" بل أذاعت لقطات خاطفة للمظاهرة في صورة تقليدية)

و على الجانب الآخر ، فالمتظاهرون محاصرون في دائرة ضيقة تزداد ضيقا نتيجة "العصر" و من حقهم أن يتظاهروا بحرية... فضلا عن ان قوتهم تكمن في ضعفهم ، فبعددهم القليل واجهوا الجنود - دون أن يهاجموا أولئك الجنود بدنيا- متحدينهم أن يضربوهم ان استطاعوا...

عشرة دقائق راحة... " حرية ، حرية ، حرية " .....عشرة دقائق راحة... " حرية ، حرية ، حرية " .....عشرة دقائق راحة... " حرية ، حرية ، حرية " .....عشرة دقائق راحة... " حرية ، حرية ، حرية " .....

ألمح خارج الدائرة خلف جنود الجهة الجنوبية لافتة كفاية مرفوعة في الهواء ، أقف على أطراف أصابعي و أصورها ، ثم أغادر الحصار مندسا وسط مجموعة من الصحفيين الاجانب لأفاجئ بأن هناك مظاهرة أخرى خلف تلك الجهة التي تشهد كل المواجهات... مظاهرة فيها من يهتف و من يحمل اللافتات و من يوزع الاوراق و هي بدورها محاصرة بدائرة من الجنود...

أعود للدائرة الأولى ... " حرية ، حرية ، حرية" ... أصور و أنا في غاية الارهاق... يظهر مصطفى و يعطيني زجاجة مياه.. أستند عليه قليلا ثم أشرب... وسط التجاذب الجديد أشاهد جنديا و متظاهرا يتبادلان الدفع.. يمسك به الجندي و يبدو على وجهه الشر و الغضب و الكراهية ... أيقنت أن ضربة عصا ذلك الجندي ستشج رأس المتظاهر ، فوقفت بينهما و ربت على كتف الجندي " خلاص ، خلاص ، معلش" و سحبت المتظاهر بعيدا - بمقاييس المظاهرة بعيدا تعني حوالي نصف متر-
يقول المتظاهر لي " مش قادر أدوس على رجلي ، رجلي اتكسرت" و يتعلق بي... أحاول أن أساعده في الخروج و أنا غير مقتنع بما يقوله ، تبدو ثغرة وسط الجنود فأدفعه عبرها نحو الرصيف و لا أخرج خلفه...


تدافع جديد و رأيت محمد عبد القدوس يتدحرج على الارض أمامي ، يتلوه "الجد" ذو الشعر الأبيض ... يقف عبد القدوس من جديد... و قبلها دفعوه فتلقفته بين ذراعيَّ و قلت له " حاسب يا أستاذ محمد"... كان حماسه كابن العشرين...
( محمد عبد القدوس -لمن لا يعرفه- صحفي مصري ابن الروائي الشهير احسان عبد القدوس و حفيد فاطمة اليوسف مؤسسة روز اليوسف ، صهر الشيخ الغزالي رحمه الله ، و نقيب الصحفيين المصريين سابقا ، و عضو مجلس النقابة الحالي ، من الاخوان المسلمين)

عسكري المرور يظهر من وسط "المطحنة" و هو يمسك قبعته بيديه ، يمسح عرقه و يلهث... يقف على الرصيف ، فتتحدث معه "الحاجة" و هي سيدة مسنة تلبس الخمار - و عليه شعار كفاية - و تبدو كأي أم مصرية تقليدية ، و أراها دائما في المظاهرات... يتقبل ما تقوله الحاجة و يؤمن على دعواتها على مبارك...

فوضى ، فوضى ، فوضى...

ضابط شاب من الأمن المركزي يعطي تعليمات لجنود وحدته : " محدش يرفع عصايته ، محدش فيكم يرفع عصايته ، فاهمين؟"

أستمع لمجند من الأمن المركزي يتمتع بحس دعابة يقول لزميله ساخرا مغيرا نغمة صوته : " لو مكناش في الأمن ، كان زمانا كنا معاهم"... أبتسم على سخريته الحادة من محاولات المتظاهرين البسيطة لاستمالة الجنود...

انفتحت ثغرة كبيرة أخيرا و اندفع المتظاهرون ليكسروا خط الجنود لتلتحم المظاهرتان المنفصلتان ببعضهما ، تدافع مريع ، أجد نفسي محمولا مع تيار بشري كبير الى الخلف فالى اليسار ، صراخ و أشخاص يتعثرون...


مريم تتقافز هنا و هناك ، تصعد على الحواجز و تقود الهتاف .... كانت ترتدي الحجاب في بداية المظاهرة ثم ربطته الآن كايشارب على رأسها... يسألني من يقف بجواري عنها فأقول له : " هيا دي اللي عاملة قلق في المظاهرة" فيوافقني بهزة من رأسه.

حسين عبد الغني مدير مكتب الجزيرة في القاهرة يرتدي بدلة متانقة دون ربطة عنق و يقف و يشير للعاملين معه بما يقومون به ، يجذبون الأسلاك و ينفذون ما طلبه موجهين خطابهم له ب" يا باشا".... يقدم متظاهر حلوى لحسين عبد الغني فأتعجب و أقول لمصطفى : "كأنه بابا فؤاد مثلا..."

أخرج لأجد المتظاهر المصاب في قدمه جالسا على الأرض و بجواره صحفي يكتب تقريرا على كمبيوتر لابتوب...
" انت كويس؟"
" كده تسيبني يا زميل؟"
أشعر بالخجل و ألوم نفسي على عدم تصديقي له و تركه بقدمه المكسورة وحيدا..
و ان كدت أضحك على كلمة "زميل" ، و حمدت الله على انه لم يقل "رفيق" اذ كنت سأشعر ساعتها أنني أعيش احدى روايات صنع الله ابراهيم - كما قال محمد من قبل-..

وجدته يقوم بتهجئة اسمه للمراسل لكي يذكره في تقريره ، و يقول له أنه من حزب التجمع ، ثم يحاول لفت انتباه الاعلاميين بأن يصرخ متألما و يقول " يسقط الحزب الواطي اللاديموقراطي"
ثم عندما اقترب منه الاعلاميون اتخذ pose نضالية و ضم قبضته في الهواء و اخذ يقول : " حتى لو قتلونا ، فسنظل نناضل حتى آخر قطرة من دمنا"

لمت نفسي على تصديقه ، و زفرت في ضيق...


أقف مع مصطفى و نقابل جوش و نبادله الحديث ، يقول أنه تلقى ضربة عصا على رأسه و يضحك و يقول : " كله في سبيل الديموقراطية"

المظاهرة تنتهي...


يرى علاء اللواء الذي أشرف على ضربه هو و والدته يوم الاستفتاء فيقف فوق الحاجز و ينادي عليه... يتردد هتاف " شايفينكم.. شايفينكم..." ( بعد الاستفتاء أعلن عن انشاء مجموعة تريد مراقبة التحرش بالنساء في الانتخابات القادمة تحت اسم شايفينكم ، الا أنني لم أسمع عنها شيئا بعد ذلك)

يلقي بعض المتفرجين من الأدوار العلوية زجاجة مياه لمريم التي أعادت ارتداء حجابها...

تقفز مريم فوق سور حديدي و تحاول الهتاف فتفقد توازنها و تسقط فتقوم من الأرض ضاحكة ... تحاول أن تهتف من جديد فيقول لها كمال خليل ضاحكا : " بت يا مريم ، اسكتي يا اما و الله هآجي أضربك"


يلاحظ عمرو اتجاه نظراتي فيضحك و يقول : " لقيت حد تكتب عنه النهاردة؟" ( آه يا عمرو! سأجد بعد دقائق الكثير لأكتب عنه!)


أحكي لمصطفى عن المتظاهر ذي القدم المكسورة - افتراضا- و اعبر له عن شكوكي فيقول لي أنه شاهد عربة اسعاف تنقله... آخ! لا أعرف ماذا أصدق!


نغادر سويا ، و يقول لنا ضابط : " اتفضل يا أستاذ ، اتفضل يا استاذ" مصمما أن نبتعد بسرعة عن مكان المظاهرة...

يسألنا رجل يمشي مع ابنه : " هوا في ايه في مصر؟"
نشرح له سبب المظاهرة و أقول له " بص ، طيب سيبك من السياسيين ، أي حد غلبان ملوش ضهر بيدخل القسم بيحصله ايه؟"
"بيتنفخ"
نتحدث قليلا عن "الحل" ، و لكنه يصمم أن لا فائدة و أنه بفرض أنه كأي مواطن آخر نزل و اشترك في مظاهرة ، و رمي في السجن .... ربت على شعر ابنه و قال : " العيال دول هيحصلهم ايه؟" ثم أضاف " و في الآخر أحمد زي الحاج أحمد"


نعبر بجوار حسين عبد الغني و يشير لنا عمرو ان نقترب...


(استطراد: أتذكر بينما أكتب الآن ما فكرت فيه منذ ما يقارب العام عندما قرأت في فترة متقاربة رواية حد الغواية لعمرو عافية و رواية الباذنجانة الزرقاء لميرال الطحاوي... تدور أحداث الروايتين في مجتمع الجامعة المصري في السبعينات في وقت انحسار اليسار و صعود الاسلاميين... الرواية الأولى تحكي حكاية تلك الفترة : حكاية الشباب المستنير المثقف المؤمن الوطني الواعي ، مقابل المتعصبين المنغلقين المتطرفين المكبوتين الحاقدين... لم تكن الرواية بهذا السوء و التحيز ، بل على العكس كانت جيدة جدا... ما أعنيه هنا هو أن أبطال تلك الرواية تصرفوا دوما وفق مبادئهم ... كانوا أبطالا و لم يكونوا بشرا... و بطلة الرواية هي الأم الرؤوم الحلم ... الرواية الثانية تروي حكايات الانكسار و الخيانة و الانفصال و الأحلام و العلاقات بين طرفي المواجهة و الصراع داخل نفوس الأبطال،الذين كانوا يرتكبون الاخطاء من المعسكرين... كان أبطال الرواية بشرا...
الحقيقة دوما مليئة بتفاصيل غير ضرورية يمكن تجاوزها لجعل الصورة لامعة و الألوان أزهى و أكثر اتساقا : الأبيض في مواجهة الأسود...
أتمنى أن يكون ما عنيته واضحا...)




اقرأ عن التعذيب في مصر:
وباء التعذيب في مصر
بدون حماية – استمرار التعذيب المنظم
خبرات نساء فى أقسام الشرطة
شهداء ضحايا و جلادين

شهادات من ضحايا التعذيب و ذويهم

شاهد:
أب يعترف بقتل ابنته التي لا زالت على قيد الحياة تحت التعذيب

هناك ٩ تعليقات:

غير معرف يقول...

لك جزيل الشكر على لتغطية..لم أرد تحويل الموضوع هنا عن صفته الأساسية كتغطية..فقمت بالتعليق في مدونتي..

ألِف يقول...

موضوع الهتافات المحفوظة هذا يضايقني. حتى لو كان مقبولا في أي يوم، فإنه من الأجدى استغلال مناسبة اليوم و الداعي للمظاهرة للتركيز على قضية التعذيب.

منذ قليل عرفت أن مظاهرة الزيتون عند كنيسة العذراء سادها حزب العمل..ليس مكانهم و لا وقتهم.
لكي لا يفهم أحد خطأ فأنا لا أستبعدهم من ما يجري، لكن كان أجدى لهم أن يظهروا يوم لاظوغلي ليعترضوا على تعذيب الإسلامويين، و ما داموا ظهروا في الزيتون فعليهم على الأقل أن يلتزموا اللادينية...عبث، أعلم.

Mohammed يقول...

الجواب على اعتراضك يا يحيى و على ما ضايقك يا ألف هو غياب التنسيق ، و الموزاييك المكون للمظاهرة

قد يكون التنوع و الفردية ميزتين هامتين ، الا أن عيوبهما تتضح بأن المظاهرة يسودها الاعلى صوتا و يفرض اجندته او على الاقل ينسى لماذا اتحد كل المشاركين ، و من السهل الوقوع في فخ الاشتباكات - عدا ما يمنعه اولاد الحلال و العقلاء بمبادرات فردية-

أتمنى أن يحدث تغير ما في شكل و خطاب و خطط المعارضة المصرية بعد الاجتماعات الثلاثة المرتقبة:

الحركة المصرية من أجل التغيير
التحالف الوطني من أجل الاصلاح
التجمع الوطني الديموقراطي


لست سعيدا بالوضع الحالي الذي استنفد نجاحاته

و لكن هذا موضوع آخر...

غير معرف يقول...

أنا مش فاهم ليه الناس معتبرة محاولة منع العصر و ضم نصفي المظاهرة استفزاز من طرفنا و أن احنا اللي بدأنا العنف.

مين الي حبسنا و قسمنا و مين الي حاول يزنقنا و يعصرنا.

R يقول...

مساكين فعلاً العساكر اللي يتعاملوا مع متظاهرين مفتريين كده :)

بكرة الأمن المركزي هيطلع مظاهرة ضد المتظاهرين، وشعارها: نحن أيضاً مواطنون، بتزقونا ليه :)

وسيلبس الأمن المركزي الألوان الزاهية، وسيلتقون المواطنين فيأخذونهم بالأحضان ويهدونهم باقة جرجير،
أما النساء فسيهدونهم باقة ملوخيّة وسيلقون التحية عليهم بلا أحضان.

وهيرفعوا لافتات أسامة الباز:
"تعالوا إلى كلمة سواء"
"النقد يجب أن يكون بناء بحسب الإسلام والمسيحية"

وستشهد مصر ربيعاً جديداً لتحالف الشرطة والشعب في خدمة الوطن (على حساب المواطن).

أنا معاد نومي فات من يومين، علشان كده باخرف...
ـ

غير معرف يقول...

تغطية رائعة يا محمد ..فقط هناك تعليق صغير :
1- محمد عبد القدوس لم يتولى قط منصب نقيب الصحفيين

2- المظاهرة كانت منقولة على الهواء مباشرة على قناة الجزيرة مباشر ..واعيدت لقطات كاملة منها في برنامج اذيع يومها بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب

Mohammed يقول...

شكرا يحيى ، مصراوي ، م توفيق على كلماتكم

Mohammed يقول...

و شكرا على التصحيح
قمت بتعديل العبارة عن محمد عبد القدوس

غير معرف يقول...

شكرا لك لدونتك ، لأنها جعلتني أقرأ روايتين ، الباذنجاة الزرقاء لميرال طحاوي ، ورواية حد الغواية لعمرو عافية ، لكن للحق أعجبتني رواية حد الغواية أكثر ، وأظن أن الجانب الانساني فيها أعلى حتى ولو بدت الشخصيات كأبطال إغريقيية التراجيديا ، لكن لكل منهم أخطاء وأراء قد تتعارض ولكنها لا تدين الرأي ألاخر (هذا ما أحسست به ، كما أن بها رقة عالية ، شكرا لك مرة أخرى لتقديمك لي هاتين الروايتين