الاثنين، يونيو ٠٦، ٢٠٠٥

ذكر ما جرى - 3

سأكون شاهدا في ذلك اليوم و في تلك القاعة على ما لم أشهده من قبل...
قلت من قبل أن هناك خطا أحمر تم خرقه على مدى الشهور الماضية ، و لكن هناك كان لدي شعور بالخفة كأنني في حلم ، عندما كنت أرى و أسمع ما قيل في نقابة الصحفيين ذلك اليوم... لم أعتد أن أكون في مكان أتمتع فيه بالحرية في أن أقول ما أريد قوله دون ان أبالي بمن يقف جواري أو خلفي أو ربما يكون يتصنت على ما أقوله... لم يكن لدي رد فعل تلقائي بأن أنظر للخلف كلما " لبخت" في الكلام... لم اشاهد من قبل مكانا يتمتع بشيئ أقرب ما يكون لحرية التعبير كتلك القاعة... في تلك القاعة لم يصفق الجمهور عندما يتحدث من على المنصة حديثا مملا ، بل صفقوا عندما ووجهت المنصة... لم أر أبدا في بلادنا المحروسة جمهورا ينجح في فرض رؤاه الأكثر راديكالية على من يعتلي المنصة... و لا يمكن لاحد أن يمنع احدا من أي اتجاه من التحدث... توالوا جميعا على التحدث : الأكاديمي و اليساري و الناصري و الليبرالي و الاسلامي و البتنجاني و الخنفشاري..... و لم يمنع أحد ، حتى من عرفوا عنه انه قنبلة " تلبيخ" بشرية....
سألت صديقا صحفيا : " هل هذه الجلسة استثنائية في الجدال و اشتباك الآراء و الخلاف؟" فأجابني:" لأ ، عادة لو فيه قضية بيبقى الوضع كده"
عذرا ، فأخوكم محدث حرية تعبير ....

المهم ، أعود للقص....

حل الدور على يحيى قلاش و كان حديثه مماثلا لحديث النقيب تقريبا ، و ان ركز بصورة قوية على رد حقوق الصحفيات ، و دعا كل من يمتلك أدلة صورا أو شرائط فيديو تقديمها للنيابة...
هنا بدأ صلاح بديوي في النهوض من مقعده و توجيه الانتقادات و الاتهامات و الاهانات للرئيس مبارك بمعدل مرة كل ثلاث دقائق... يجذبه من يجلس بجواره ليجلس ، و تنطلق من حوله رجاءات ضاحكة :" اقعد يا صلاح ، اقعد يا صلاح"

حل الدور على نوال التي بدأت حديثها بشكر زملائها الصحفيين و قالت انها كانت في أسوء حال نفسية ممكنة بعد تعرضها للاعتداء الا ان دعم زملائها كما تبدى في اتصالاتهم الهاتفية و مقالاتهم رد اعتبارها ، ثم عادت لتقول : و لكن رد اعتباري ليس مطلوبا منكم بالطبع... قالت نوال أنها تعرف من اعتدى عليها و أن الأمر ليس اتهاما مفتوحا ضد مجهولين كما "يحاولون ان يقولوا"... قالت نوال بعدها أنها تعرضت للاعتداء عدة مرات ، مرة على سلالم نقابتها ، و مرة عندما قال "زميل" لها أنها مزقت ملابسها بنفسها.... صفق الجمهور عند سماعه ذلك... ستكون قضية أحمد موسى الصحفي بالاهرام و عضو مجلس النقابة و الذي نشر خبرا يقول أن نوال مزقت ملابسها بنفسها لتتهم متظاهري الحزب الوطني بذلك أحد أكثر النقاط التي أثارت الجدال في ذلك اليوم.... حاولت المنصة الدفاع عنه قائلة أن "الزميل" خرج من اجتماع مجلس النقابة موافقا على كل قراراته بما فيها المطالبة باستقالة وزير الداخلية...
الا أن جموع الصحفيين نجحت في الدفع بجمع توقيعات الصحفيين في ذلك الاجتماع ( و الذي بدأ كمؤتمر صحفي و انتهى باعتباره جمعية عمومية طارئة ذات قرارات ملزمة)للمطالبة باقالة احمد موسى...
مما قيل في ذلك اليوم عن أحمد موسى و لا أذكر قائله بالضبط بسبب عدد المتحدثين الكبير :
" يا جماعة لا تلوموا أحمد موسى ، أحمد موسى مخبر من صغره ، حتى عندما كان طفلا في المدرسة كان "يفتن" على زملائه عند المدرسين"
" أحمد موسى عميل الداخلية في الأهرام"
" أطالب ليس باقالته من المجلس و حسب ، بل و شطبه نهائيا"
" يا جماعة ، الداخلية لم تات بأحمد موسى ، بل نحن الصحفيون من انتخبه ، و لن يمكننا غسل ذلك العار الا بالتوقيع لاقالته"
أعود لما قالته نوال بعدها اذ قالت أن " سليمان عواد ( المتحدث باسم رئاسة الجمهورية و الذي قال أن التغطية الاعلامية الغربية لما حدث يوم الاستفتاء مبالغ فيها و غير عادلة)بالنسبة لي لا يتكلم سوى عن نفسه ، و لا زلت أنتظر ما سيقوله الرئيس ، بالنسبة لي لم يقل الرئيس رأيه فيما حدث، أنتظر رأيه في أن يعتدى على ابنته"

همهمة و ضجة و اعتراض من الجمهور ، و امراة متشحة بالسواد من الخلف : " يا نوال ، هو اللي قالهم يعملوا كده فيكي"

قالت نوال بعدها انها تطلب من الحضور الذي تشكره لوجوده ان يستمر في التجمع كل يوم اربعاء حتى يتم تنفيذ مطالبها...
و ختمت أقوالها بأنها لن تتنازل عن مطلبها باستقالة وزير الداخلية...

( الصورة من الأسوشيتد برس نقلا عن مدونة بهية ، و التي تظهر فيها عيون نوال ممتلئة بالتصميم على مطلبها)

توالى بعدها المتحدثون على الميكروفون و ميزت منهم محمد السيد سعيد و محمد السعيد ادريس الذي تحدث في توازن عن ضرورة استقلال الصحفيين عن سلطة النظام و صلاح بديوي و محمد رضا ( اللذان يستحقان استطرادا منفصلا) و كارم يحيى الذي قدم مشروعا لاستقلال الصحافة عن السلطة ( المؤسسات الصحفية القومية )....

تعاقب الكثيرون ممن لم أميزهم على الميكروفون... سأكتب هنا ما أتذكره مما قالوه دون ترتيب...

*المطالبة بأن يكون شارع عبد الخالق ثروت الذي يضم نقابتي المحامين و الصحفيين و نادي القضاة حرما لا يدخله رجال الأمن و أن يغير اسمه الى شارع الحرية...
*" مجلس الوزراء قال امبارح انه بيؤمن بحرية التعبير ، طبعا مش بيؤمنوا بكده ، قالوا كده عشان أمريكا ادتهم بالجزمة"
*" فاكرين مين النايب اللي وقف في مجلس الشعب و قال ان احنا مش عايزين مصالحة وطنية؟" يرد الجمهور زاعقا:" زكريا عزمي!!" ، " و زكريا عزمي ده تبع رئاسة الجمهورية"
*" هتقولوا المسؤول عن اللي حصل مسؤولين الأمن؟ مين اللي فوقهم؟ حبيب العادلي؟ مين اللي فوقه؟ حسني مبارك!"
*" الحزب الواطي عمل..." يقاطعه جلال عارف محتجا ، فيؤكد" لأ ، هوا فعلا واطي ، و كويس أوي اني وصفته بالكلمة دي"
*"أدعو لانشاء حركة كفاية في نقابة الصحفيين"
*" الزميلة نوال ، لم أصفق لكِ مع من صفقوا لأن كلي خجل مما حدث ... لو أنه عند الانتهاك الأول لحرمنا أو حتى الانتهاك الثاني قمنا و قام النقيب بالاحتجاج ، ما حدث لكِ ما حدث"
*" فلنستمر في موقفنا حتى تنفذ المطالب أو ليستقل النقيب!"
*" كلكم بتقولوا أحمد موسى أحمد موسى ، و هل كان عمل ما عمله الا بوجود ابراهيم نافع في الاهرام؟"
*" يجب أن تظل نقابة الصحفيين ملجأ و ملاذا لكل التيارات و لكل المظلومين.... يجب ان نكون على اتصال مع الامة... و في اللحظة التي تمد فيها الأمة يدها الينا لا يجب أن نتركها... كان خطأ أن تغلق أبواب النقابة في وجه المتظاهرين منذ أسبوع و أن يتركوا للضرب"
*" لا أقلل مما حدث للزميلة نوال ، و لكن العديد من المصريين رجالا و نساء تنتهك أعراضهم من الاسكندرية لأسوان ، و نحن لأننا صحفيون يمكننا أن نوصل أصواتنا و أن ندافع عن انفسنا ، فمن لبقية المظلومين؟"
*"يعني ايه نجيب الأدلة للأمن ، أمال ايه شغلة الأمن و البوليس؟ هم من يجب أن يبحثوا عن الجناة"
*" قدمتم القضية للنائب العام ، فهل ستدفن كما حدث لمثيلاتها؟ تقولون ان النائب العام سيستدعي الصحفيين للشهادة ، و انا أقول أن هذا لن يحدث، في مارس 2003 في مظاهرات ضد الحرب على العراق و التي اعتدى فيها الامن علىالمتظاهرين بما فيها ضرب نائب بمجلس الشعب حمدين صباحي لم يستدعنا النائب العام للشهادة حتى الآن"
*" الرئيس قال انه ببضعة جنيهات يستطيع أن يجلب بلطجية ليتظاهروا باسمه و هو ما حدث.. أي أن الرئيس يعترف بمسؤوليته!"
*"فلتكن هذه جلسة قرارت و أفعال بدلا من ان تكون جلسة انفعالات و هتافات"

حل الدور على محمد رضا و أعلن جالس على المنصة أسماء من سيتحدثون بعده و قال بابتسامة عريضة و روح مرحة : " و الاستاذ صلاح بديوي هيكون مسك الختام"...

محمد رضا صحفي بجريدة آفاق عربية الاخوانية ، و قد كان معتقلا و تم الافراج عنه منذ وقت قريب... حياه الجمهور بالتصفيق... بدأ محمد رضا في الحديث عن تجربة الحبس ، و عن حبسه مع المحبوسين الجنائيين الذين تم تحريضهم ضده ، و عن حدث يبلغ من العمر ستة عشر عاما كان مقيدا و اياه بأغلال واحدة و عن محاولة اعضاء النقابة الافراج عن ذلك الطفل الطالب في الثانوية العامة و المعتقل لأسباب سياسية... تحدث عن معاناته الشخصية و عن تهديد ضباط أمن الدولة له و عن معاناة الاخوان و الاعتقالات التي تعرضوا لها ، و ذكًّر بانتهاك أعراض الرجال في المعتقلات و تخويفهم بتعرية نسائهم أمامهم أو ما هو اكثر... تحدث عن أن ما حدث أمام النقابة منذ أسبوع ليس تكتيكا جديدا و ان الامن لجأ اليه في انتخابات الرمل التشريعية بالاسكندرية من استخدام لبلطجية و نساء متهمات في قضايا آداب أو " من المدبح" ( توصف هذه الانتخابات في تلك الدائرة بأنها واحدة من اكثر الانتخابات عنفا في انتخابات مجلس الشعب الحالي) و في مظاهرات الاخوان كل جمعة في الجامع الازهر... ضمن ما قاله محمد رضا كان: " الواحد بيبقى هاين عليه يروح اي سفارة و يجيب أي جواز سفر ، بدل ما ينتهك في بلده ، بلده اللي ملهوش فيها كرامة و اللي مش بتحترمه كانسان".. شاهدت نوال تضع يدها على وجهها عند سماعها ذلك ، و تمسح دموعها...

حل الدور على صلاح بديوي فملت على صديق يجلس بجواري لا يعرف شيئا عن بديوي و لم يحضر الاجتماع منذ بدايته و قلت له : " ما رأيته من قبل شيئ و ما ستراه و تسمعه الآن شيئ آخر تماما"

بدأ صلاح الحديث بصورة تقليدية عن الانتهاك و الاعتداء...الخ... نظر لي صديقي نظرة متسائلة بمعنى :" فين يا عم ؟"

بعد ثوان انطلق صلاح ، و لم يتوقف الجمهور عن التصفيق و الصفير و الضحك في ذهول و عدم تصديق...

قال صلاح: " مبارك... هذا انسان يتنفس كذبا! منذ اكثر من عام في هذه القاعة وعدونا أنه سيوقف حبس الصحفيين ، و هو ما لم يحدث حتى الآن... هذا انسان يتنفس كذبا.. يومها وقفت و صحت : يسقط العميل حسني مبارك! و جاء أحمد موسى و ضربني.."

" مبارك محاصر في شرم الشيخ و لا يستطيع الخروج منها لانه لو خرج سينقلب عليه رجال الجيش المصري! و أنا من موقعي هذا أدعو الشرفاء في الجيش المصري للانقلاب على هذا الطاغية!"

جلال عارف يدمدم و ضجة و تصفيق و ضحك ... يقول له جلال عارف أن وقته انتهى و يطلب منه ترك الميكروفون ، فيأتي من الخلف صياح "الكفاياوية" -الذين أنهوا تظاهرتهم فبدؤوا في الدخول للقاعة للفرجة- بالهتاف الذي يستخدمونه عندما يمسك الامن بمتظاهر : "سيبه! سيبه! سيبه!" ، فيصمت جلال عارف على مضض...

واصل صلاح الحديث و توجه الى نوال قائلا أنه يقدر و يفهم ما حدث لها لأن زوجته صحفية و كان من الممكن ببساطة أن تكون مكانها....

تقول صحفية جالسة خلفي: " و لو مش صحفية برضه ممكن يحصل لها!"

اتهم صلاح مبارك بالعمالة و صب غضبه على يوسف والي و قال أن مبارك حبسه و صحفيين آخرين من الشعب للتستر و الدفاع عمن سرطن المصريين لصالح اسرائيل....

كادوا يضطرون لجره جرا بعيدا عن الميكروفون و كانت آخر كلماته هي رجاء أن لا تتعرض "الشعب" للنسيان..

نظرت لصديقي و قلت له ضاحكا : " مش قلتلك؟"

غادرت القاعة بعدها و وقفت في الردهة الامامية أدخن و أتحدث مع الأصدقاء....


أكمل الجزء الرابع و الأخير لاحقا ان شاء الله...

الصور من التقاط الصديق "م" عدا صورة نوال المنقولة عن بهية...

ليست هناك تعليقات: