كانا يجلسان عندما جاء الصمت. جلس هو، وجلست هي، وبينهما جلس. انكمش في مقعده مائلاً بجسده اقصى اليمين، بينما انكمشت في مقعدها مائلة بجسدها أقصى اليسار. ثَبَّت نظره إلى الامام، وثبتت نظرها إلى الامام. انشغل بالتفكير في أفضل توصيف للصمت الجالس بينهما. بتركيز كبير، استعرض أوصافاً كالسحابة السوداء التي تغطي القاهرة، ضباباً يملأ الأجواء، شبورة على الطريق الزراعي في السادسة صباحاً من يوم بارد، ثقلاً جاثماً على صدر مريض بفشل في القلب، بحراً مظلماً تغوص فيه. لم يصل لتوصيف مناسب، فهز رأسه في أسى. بطرف عينيه شاهدها تتطلع إليه في يأس . أدارت راسها وتطلعت إلى الأمام من جديد بعد أن بادلها الصمت النظرات. تمتم بكلمات غير مسموعة وغادر المكان وهو يهز رأسه فيما حاول أن يكون تحية.
أمسك بالهاتف ، وطلب رقمها، وانتظر حتى قالت له : مساء الخير. رد تحيتها. ثم دخل الصمت على الخط. عجزا عن الكلام. لدقائق ظلا صامتين ممسكين بالهاتف. حاجز؟ حائط؟ جدار؟ سد؟ فكر في الكلمة المناسبة، لكن أياً من التشبيهات لم يرضه. بعد دقائق طويلة من الصمت، تمتم: مع السلامة، ووضع السماعة.
محاطين بأشخاص كثيرين. يضحك ويتكلم ، لكنه يشعر أن شيئاً ما خطأ. يتطلع حوله باحثاً عن الصمت. لا يجده. يغمض عينيه ويتطلع داخله ، ليكتشف أن الصمت قد سكن داخله. يظل صامتا مهما تكلم. يطالعه صديق ويسأله: مالك؟ يتعجب من أن الصمت يكشف نفسه لعيون الآخرين. يهز يده في حركة بلا معنى، ويتمتم بإجابة بلا معنى.
لاحقاً ، سيتكلمان كثيرا، لكن كلا منهما كان يعرف أن الصمت لم يغادر. سيفكر أن الصمت ضيف قد جاء ليبقى. سيستريح أخيرا لهذا التوصيف، وسيتبادل هز الرؤوس مع الضيف الذي أصبح صاحب بيت.
الأحد، أبريل ٢٠، ٢٠٠٨
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليقان (٢):
يخرب بيتك .. الكلام بيوجع !
WOW WOW WOW
إيه ده .. رائع وأكثر
الكلام بيوجع والتعبيرات هايلة قوي .. عجبني العجز عن وصف الصمت .. أحييك
إرسال تعليق