فيصل .... تحرير: أيام الديسك والميكروباص – حمدي عبد الرحيم – مكتبة مدبولي
يضم الكتاب يوميات المؤلف في النصف الأول من عام 2007، إذ يحكي عن عمله في ديسك ثلاث جرائد ( نهضة مصر، العالم اليوم، الكرامة) وذهابه وعودته من عمله مستقلاً ميكروباص خط فيصل تحرير. يبدأ الكتاب بتقديم، ثم تأريخ لصعود – دون هبوط- الميكروباص : عندما رفعت الحكومة يدها عن قطاع النقل ، تاركة خدمات النقل تنهار ليملأ القطاع الخاص -ممثلاً في الميكروباص - الفراغ الناتج . منذ ذلك اليوم الذي وقف فيه ميكروباص وحيد في ميدان التحرير ، يجمع في خجل – تلاشى سريعاً- الركاب، انتهاء بقضائه النهائي على المنافسين. يقدم المؤلف بعدها قائمة بالمصطلحات التي سيستخدمها لاحقاً في الكتاب، إذ يقدم قوائم بأنواع السائقين والركاب والديسكاوية. وهي مصطلحات ساخرة ، لكنها مضبوطة يكفي ذكرها لاحقًا لترى أمامك الشخص المذكور متجسدًا بكل صفاته. فمن السائق السني – بشرائط أبو إسحق واللحية والجلباب الأبيض- إلى المتطرف – الذي لا ترغب أبداً في الدخول في مشاجرة معه- إلى الدجاجي – وهو ليس جباناً كما قد يتبادر إلى الذهن، بل كالدجاج يجلب الخراء بقدميه- مروراً بالمعاشي والروش....إلخ، والركاب إما ذاهلون أو عاديون أو ثقلاء...إلخ.
يشرع المؤلف بعدها في قص يومياته الموزعة بين الديسك والميكروباص. الديسك " هو المطبخ الصحفي حيث يجري إعداد المواد الصحفية للنشر". يكشف المؤلف عن خبايا هذا المطبخ الصحفي، الذي أصبح العمل فيه يتجاوز إصلاح خطأ إملائي أو نحوي هنا وهناك، أو إعداد مقدمة موضوع، ليصل – في أحيان كثيرة- لإعادة بناء لركاكة ورثاثة مذهلة، بل وحتى فك رموز ما يكشف عن عجز الكاتب عن التعبير المنطقي عن الأفكار وما قد يقارب حدود الثغاء أو سلطة الكلمات. نقرأ عمن يعتقد أن العزوف معناه العزم، وأن بعض تعني بعد، ومن يتحدث عن شروط الالتحاق ب"السيرك" الدبلوماسي، ومن كتبت " كان المتهم يبكي فقال له الضابط هذا وتعود وقائع الجريمة إلى وكان فريق من الأمن بقيادة اللواء قد حاصر المتهم"....إلخ.
أما يوميات الميكروباص، فهي الجزء الأكثر جذباً والأكثر مسخرة! ستتذكر ربما تاكسي الخميسي ، حيث الكتاب محاولة – بورجوازية من كرسي الراكب، لكنها حقيقية - لفهم ذلك الكائن – سائق التاكسي- والاستماع إليه وتقديم حكايات عديدة عنه ، وبلسانه، في كتاب سهل وجذاب. أما كتاب عبد الرحيم ، فهو وصف لمن عايشهم المؤلف من ركاب وسائقين من فيصل إلى التحرير وبالعكس. فردية وسيلة مواصلات كالتاكسي، يقابلها الميكروباص كفضاء اجتماعي يتقاسمه مجموعة من البشر لفترة من الوقت. نرى في اليوميات أمثلة على الصراع على المجال العام، واختراق المجال الخاص، وتنوع القيم الحاكمة والمرجعيات التي يلجأ إليها الأشخاص لفض الخلاف أو لحسمه، والاختلافات في طرق التعامل والطباع بين الأشخاص – وفي أحيان أخرى بين الطبقات أو الأجيال- . نرى طيبة وبلطجة، وقاحة وتهذيباً، تضامنًا وسفالة.
يقدم الكتاب صورة لمصر من الميكروباص في 2007، مستخدمًا حكايات جذابة ومسلية ومضحكة أحياناً، وباعثة على التأمل أحياناً أخرى، يعجز أي أسلوب أدبي غير اليوميات عن تقديمها. وهكذا نقابل مشاجرات الركاب مع السائق الأرعن، أو حل الركاب لمشاكل زوجين متخاصمين، أو مشاركتهم في عزاء أو تطييب خاطر. نقابل وصلات السباب بين السائق والتباع، وصلات الرقص والغناء الخارج ، والكلام الفضائحي عن أدق التفاصيل الشخصية. نستمع إلى مناقشات سياسية ، وأخرى عن الكرة، وغيرها تبحث عن حل لمشكلة مصر. نتلصص أحيانًا على حوار شخصي.، وأحياناً نرسم صورة عن حياة راكب ، مكملين القدر القليل الذي وصلنا منها بينما يتحدث في هاتفه المحمول. نقابل من يتحدث بحكمة وليدة السنين، ومن رأسه في خواء الربع الخالي.
يقول المؤلف أن الجامع بين اختياره للديسك والميكروباص ليجعلهما محور يومياته هو العشوائية التي طبعتهما بطبعها، لكنني أرى أن الجامع الرئيسي بينهما هو أنهما يشغلان الجزء الأكبر من حياة المؤلف نفسه ، حياة مصري يناضل ليعيش في مصر 2007. يمضي المؤلف معظم ساعات يومه في عمل مرهق لا يحتمل – ككثير من المصريين- مع الديسك ومساخره و "مجعزاته" ، أو معذبًا بقراءة أخبار وتحقيقات مروعة عن مصر والفساد والتلوث والديكتاتورية – تدور الأحداث في مطلع 2007 ، حيث تم تعديل الدستور ليصبح في إمكان السلطات التعامل مع أي مواطن كإرهابي بلا حقوق- والبحث عن أمل حيث لا نقطة نور تبدو في الأفق، أو – ككثير من المصريين أيضًا- معذبًا في رحلة الذهاب إلى ذلك العمل والعودة منه. لكنه يتعزى بقراءة كتاب، أو بلقاء صديق، أو بانتقام صغير يدبره لمسؤول حكومي منافق، أوبموقف يثبت له أن "الدنيا لسه بخير"، أوبابتسامة طفل نائم في حضن والده.
وبالمثل، كان كتاب حمدي أحد عوامل التعزية.....على الأقل بالنسبة لي.
هناك ٢٤ تعليقًا:
شكرا على التعريف بهذا الكتاب الرائع وبعد اذنك سارسل لينك مقالك عن الكتاب لصاحب الكتاب وهو بالمناسبة يكتب في جريدة الديار وله اسلوب مميز في الكتابة خاصة الساخر منها بالاضافة للغته العربية الرشيقة.
تحياتي وشكرا على المقال
انا كنت فى المعرض وشوفت الكتاب
لو كنت اعرف انك بتقرى كنت جبته
بس اشتريت لرز بلبن لشخصين
اسلوبك رائع جدا جدا
محمد.. هو اللهم لا حسد
عينى رمت على "قرأت فى 2008".. انت بتتكلم جد؟
الله أكبر.. بس قرأت كل دا فى 2008 فعلا؟ ولا دى ملخصات
:D
السيد الأستاذ/ محمد
صاحب مدونة / طق حنك
" تحية طيبة" وبعد..
اعتذر عن الخروج من موضوع التدوينة، لقد أرسلت لك رسالة هامة عبر البريد الإلكتروني.
أرجو الاهتمام والرد سريعا.
تحياتي وتقديري
شيماء إسماعيل
باحثة بالماجستير- كلية الآداب جامعة القاهرة.
السيد الأستاذ/ محمد
صاحب مدونة / طق حنك
" تحية طيبة" وبعد..
أعتذر عن الخروج من موضوع التدوينة، لقد أرسلت لك الجزء الثاني من الاستمارة (7صفحات)، أرجو منك إرسال رسالة توضح أن الجزء قد وصلك وأنه ليس هناك مشكلة في إرساله أحالت وصله لسيادتك .
تحياتي وتقديري
شيماء إسماعيل
باحثة بالماجستير- كلية الآداب جامعة القاهرة
write something ya mohammad. It has been a while!
Hi Mohammed,
My name is Mats Ivarsson and I'm doing some research on bloggers in Egypt, and especially the ones that have been around for a while. If you are interested in answering a few questions, please do contact me on htx05@student.lu.se or give me other details on how to contact you. You can write in arabic or english, either is fine.
Thank you very much
إستعراض رائع للكتاب وسأقتنيه قريباً إن شاء الله
إستمر في إمتاعنا بإستعراض قراءاتك يا Mohammed وتقبل تحياتي
ذكرتني جملة المطبخ الصحفي بالمطبخ السياسي
أتمنى لك التوفيق
متتميز كالعاده فى تدويناتك يا غالى
جزاك الله كل الخير يا غالي علي المدونه الرائعه
و دي قائمه باهم مباريات اليوم يا جماعه و شكله يوم كروي عالمي
مشاهدة مباراة الاهلى والاسماعيلى
مشاهدة مباراة الزمالك والمصرى
مشاهدة مباراة برشلونة واسبانيول
مشاهدة مباراة ريال مدريد وفالنسيا
مشاهدة مباراة مانشستر يونايتد واستون فيلا
مشاهدة مباراة تشيلسي وايفرتون
مشاهدة مباراة الاهلى والاسماعيلى بث مباشر
بلوج مميز فعلا ويستحق التقدير
شكراً لكم ع الموضوعات المتنوعة ...
الله يرحم التحرير وجمااااااااله
يارب السلامة لمصر
الله يرحمه مدبلوى الكببببببببببير
جددوا موضوعتكم .. رجاءاً :)
الله معكم .. اتمنى عرض الجديد بأستمرار
شكرا لكم ..موافقين))
الموضوع ممتاز جدا
entrümpelung
entrümpelung
entrümpelung wien
ممتاز ... ممتاز .. ممتاز جدااً
Entruempelung
Entruempelung wien
Wohnungsraeumung
شكراّ ع الموضوع :)
تابعوا معانا كل جديد فى عالم حواء
منتدى مملكة حواء
إرسال تعليق