في يوم الاثنين 25-12-2007 ، وفي حي لوران الهادئ انهار العقار رقم 11 بشارع ابن خلكان فجأة، ليقتل 35 شخصا، ويصاب 3 آخرون.
*****
كانت قائمة المتهمين في الحادث طويلة : عمال بناء يقومون بأعمال ترميم في الدور الأول، مالكة العقار، مهندسو وموظفو الحي، مصمم المبنى، المقاول الذي نفذه، من صرح بإضافة أدوار إضافية: الفساد، الإهمال، الغش...إلخ
كان مانشيت جريدة الدستور اليومية: " عمارات المحجوب تنهار في اسكندرية"
****
في 9 يوليو 1997 تولى اللواء عبد السلام المحجوب منصب محافظ الاسكندرية، تسبقه سمعة جيدة عن الأعوام الثلاثة التي قضاها محافظاً للإسماعيلية. تضمنت السيرة الذاتية له خدمة في القوات المسلحة المصرية ثم وزارة الخارجية المصرية كملحق عسكري، وعضويته في جهاز الأمن القومي وعمله كنائب لرئيس الجهاز.
حقق المحجوب خلال سنوات عمله كمحافظ للإسكندرية ما وصف بالمعجزة السكندرية. ساد سكانها شعور بأن الأيام المريعة السابقة التي كانت فيها المخلفات البشرية تملأ مياه الشواطئ بجوار المصطافين، بينما تغرق الشوارع في مياه الأمطار وتملأ القمامة الشوارع ذات الأسفلت المحطم قد ولت بلا رجعة. قام المحجوب بتوسعة كورنيش الاسكندرية الذي كفل سيولة مرورية كبيرة للمدينة ، وأعاد تنظيم محطة مصر ناقلا معظم خطوط الميكروباصات منها إلى الموقف الجديد الذي أنشاه على حدود الاسكندرية، ونقل موقف السوبرجيت من قلب الاسكندرية في وسط البلد إلى منطقة أهدأ في سيدي جابر، وتم في عهده التعاقد مع شركة تنظيف أجنبية لرفع القمامة، وتم تجميل الكثير من الحوائط بجداريات عملاقة، وأعيد بناء وتزيين محطات الترام وأغلب الميادين الرئيسية، كما تم تطوير معظم الشواطئ.
أحب السكندريون تلك الروح الجديدة التي بُثَت في مدينتهم ، وحاز المحجوب على لقب المحبوب لما قام به إضافة لأنه اشتهر بسياسة تحاول دوما مواءمة أوضاع المواطنين وإرضاء مطالبهم المباشرة ما دام ذلك في إمكانه ، سواء في مواءمته لأوضاع مجموعة ورش مخالفة أو سوق شعبي عشوائي أو بنايات مخالفة في الارتفاع...الخ، وما عرف عنه من تواضع وترحيب بلقاء المواطنين والاستماع إلى شكاواهم.(أتذكر شخصيا رؤيتي له في مقعد خلفي في سيارة من سيارات المحافظة - بيجو 406 على ما أذكر- منتظراً فتح الإشارة في أحد الشوارع القريبة من مبنى المحافظة ودون موكب مرافق).
مع كل تغيير وزاري وضع السكندريون أيديهم على قلوبهم مقتنعين أن المحجوب سيُبعَد من مكانه لغير سبب سوى حبهم له، إذ كانوا مقتنعين اقتناعا تاما أن قواعد اختيار المسؤولين هي اختيار الأسوأ الذي يتمتع بكراهية شعبية، وإن حدث خطأ في الاختيار - كحالة المحجوب في رأيهم- يتم التصحيح سريعا.
كانت سياسة المحجوب هي استخدام موارد المحافظة في تطويرها مع تشجيع مساهمات رجال الأعمال عن طريق تقديم تسهيلات لهم أو تطبيع أوضاع المخالفين منهم في مقابل تبرعات عينية - كتجميل ميدان أو دهان بعض المباني- أو مادية بدلا من أن تصب النقود في طرق غير شرعية كرشاوٍ في المحليات مثلا، وتشجيع القطاع الخاص كالتعاقد مع شركة نظافة فرنسية لرفع المخلفات والاعتماد على القطاع الخاص في إدارة الشواطئ العامة.
ظل المحجوب متمتعاً بشعبية عالية وسط مواطني الإسكندرية طوال سنوات توليه لمنصب المحافظ، وإن كانت الحماسة السابقة قد هدأت قليلا. في النصف الثاني من فترة ولايته كان مألوفاً أن تسمع تذمرا وشكوى من أبناء المدينة بعد أن كان كل ما تسمعه هو مديحا له. بدا بعد مرور وقت ما أن ما تم ليس "معجزة" ولا "انجازا تاريخيا"، فالإسكندرية قطعة من مصر على كل حال، وظروف المعيشة فيها كظروف المعيشة في بقية محافظات مصر في عهد مبارك. لم يبد تجميل المدينة أو توسعة الكورنيش مؤثرا في حياة البعض، الذين اشتكوا من تجاهل المحجوب للأحياء الشعبية كليا، التي لا تتمتع بالكثير من الخدمات ويتحول بعضها خلال الشتاء إلى برك كبيرة من مياه الامطار والمجاري، وتركيزه على واجهة الاسكندرية. كما أن البعض تحسر على أيام الشواطئ المجانية لارتفاع تكلفة الدخول والجلوس على معظم الشواطئ. وبدأ البعض في الشكوى من الازدحام الذي تخلقه العمارات ذات الارتفاعات المخالفة. رأى البعض أن تساهل المحافظ في السماح بالارتفاع حول المدينة إلى كتل متلاصقة من الخوازيق قبيحة المنظر، وإن كان الأغلبية يرحبون بذلك الحل لتسهيله من السكن في المدينة، وخفضه لقيمة العقارات، واسهامه في رواج اقتصادي في الاستثمارات العقارية.
هكذا غادر المحجوب موقعه إلى منصب وزير التنمية المحلية في 2007، متمتعا بتقدير مواطني الإسكندرية وإن كانت حماستهم تجاهه أقل مما سبق. (انظر التعليقات)
قرأت وقتها كتابا بعنوان من سرق الإسكندرية لعلي عيسى، يهاجم المحجوب وسياساته بضراوة عارضا لعدة ملفات بالوثائق. تتلخص اتهامات الكتاب في أن رجال الأعمال حصلوا برخص التراب على أراض زراعية أو مملوكة للدولة وهي الأراضي المتاخمة لاسكندرية والتي أصبحت لاحقا الامتداد العمراني للمدينة( جرين بلازا سموحة، الحديقة الدولية وكارفور وداون تاون وأكاسيا..الخ) مقابل تبرعاتهم بتبرعات بسيطة أو مشاركتهم في أعمال تجميل. عرض لإهدار 300 مليون جنيه بمنح سيدة وابنها 25 فدانا في أرض مدينة مبارك الرياضية بعشرين جنيها للمتر بينما تزيد قيمته الحقيقية على ثلاثة آلاف جنيه. ولقضية ردم 20 فدانا من بحيرة مريوط لصالح المستثمر عصمت ناثان لينشأ عليه مصنع اسطوانات بوتاجاز - كيروجاز- مما تسبب في الاضرار بالصيادين في البحيرة الذين رفعوا قضية نظرها القضاء الإداري الذي حكم لصالحهم ببطلان قرار التخصيص والردم وإنشاء المصنع لكن لم يتم تنفيذ حكم المحكمة الذي جاء في حيثياته أن المحافظ أهدر ثروة قومية واعتدى اعتداء صارخا على البيئة. وعرض لقضية عقد الحديقة الدولية حيث تم التعاقد لمدة 20 عاما بمقابل انتفاع 9 ملايين جنيه فقط (حق استغلال المتر أقل من جنيه واحد في السنة) كما تم استغلال أراضي الحديقة لإنشاء مبان خرسانية ومنشآت استثمارية دون مراعاة للبعد الاجتماعي الذي من أجله أنشأت الحديقة، وعرض أيضا لقضية جرين بلازا حيث تم إنشاء مول ضخم وفندق ومدينة ملاهي على أراض زراعية بالمخالفة لموافقة وزارة الزراعة على إنشاء مدينة الملاهي على 6 فدادين فقط من 14، بينما أنشئت المنشآت على الاراضي كلها. لفت نظري أن المؤلف رغم وصفه الحماسي لكتابه بأنه "وثيقة دامغة تؤرخ لفترة تاريخية من الفساد في الإسكندرية لم يحدث في عهود سابقة ونأمل ألا يتكرر في عهود قادمة"، فإنه بدأه بقوله " استغل بعض رجال الأعمال حماس اللواء محمد عبد السلام المحجوب محافظ الاسكندرية في مشروعات التجميل وإضفاء الطابع الجمالي والحضاري في تحقيق ثروات طائلة بالمخالفة للقانون ضاربين عرض الحائط بحرمة المال العام وشعب الاسكندرية وخاصة الفقراء من أهالي الثغر". فكرت أن هناك دائماً "لكن" عند انتقاد أحد السكندريين للمحجوب ، وفي أن هذه الانتقادات تمثل الوجه الآخر للمعجزة، هي الثمن الذي حصل عليه رجال الأعمال مقابل مشاركتهم المجتمعية..
************
جاء اللواء عادل لبيب خلفاً للمحجوب في منصب محافظ الاسكندرية. لا تتوفر معلومات تفصيلية عن سيرته الذاتية، وإن كان شهيراً بتوليه منصب مدير الامن بالإسكندرية وبخدمته في أمن الدولة بالبحيرة واقترابه من ملف الإخوان المسلمين، ثم تولى منصب محافظ قنا حيث كانت له تجربة شهيرة أطلق عليها أيضاً المعجزة القنائية ( عن هذه التجربة اقرأ عرض محمد إلهامي الرائع هنا) ثم تولى منصب محافظ البحيرة لفترة محدودة ، حيث اشتهر بفحته لأغلب شوارع مدينة دمنهور - بما أثار شماتة كارهي الدماهرة- ثم قبل أن يكمل ما كان يقوم به، نقل إلى الإسكندرية.
بدأ لبيب فترة توليه لمنصبه بإطلاق تصريحات عن اختلاف طرقه عن طرق المحافظ السابق وعن رغبته في إزالة العقارات المخالفة، والتي يزيد عددها عن خمسين ألفاً. كان هدم منازل في منطقة العجمي ، نتج عنه مصادمات بين الاهالي والأمن المركزي مؤشراً على نهج المحافظ الجديد. توالى الهدم والاحتجاجات بعد ذلك في المفروزة والمنتزه. واصل المحافظ تصريحاته: لن أرحم، لن أسمح ...الخ. أدت سياسات المحافظ في منح التراخيص وعدم السماح بأي ارتفاع مخالف فضلا عن إزالة الأدوار المخالفة غير المسكونة، مع ظروف أخرى عامة ( تدفق أموال من دول عربية، واتجاه الكثيرين للاستثمار في مجال شراء الأراضي والاستثمار العقاري مثلا) إلى ارتفاع في أسعار العقارات جعل من أسعار الشقق في الإسكندرية نكتة سخيفة فعلاً.
بدأ بعد ذلك تكسير أغلب أرصفة شوارع الإسكندرية في وقت واحد. أينما ذهبت، تجد أرصفة مدمرة، وعمالا يحفرون ويحطمون في حماس. كان الكثير من الأرصفة سليما بل وتم ربما تم إصلاحه قريبا، لكن ذلك لم يكن مؤثراً، فمهما كان الشارع ضيقاً أو عريضاً، صغيراً أو كبيراً كان يتم تحطيمه والعمل فيه من جديد. ( اقرأ لجدو اسكندر اعتراضاته الفنية على ذلك القرار هنا). كانت الشوارع مزدحمة، ولم يجد المشاة مكاناً يمشون فيه ، وبدت المدينة كأنها خرجت من معركة. توحد السكندريون في سيمفونية طويلة تصب غضبها على المحافظ، وتلجأ لتفسيرات تآمرية كوميدية ( عن أن أحد أقاربه - جوز بنت خالته كما يؤكد لك سائق التاكسي- لا بد مستفيد بصورة ما من تحطيم كل هذه الارصفة) أو ساخرة ( معمول له عمل ومدفون في رصيف، ويبحث عنه).
تبدت شخصية المحافظ أكثر بقرارات الهدم التي يتخذها، هدم المنازل المخالفة الذي ذكرته سابقا، أوإزالة سنتيمترات زائدة عن المسموح به في أكشاك الصحف، أو نقل مواقف الأوتوبيسات خارج المدينة ، ومطاردة مواقف الميكروباصات "غير الشرعية" حتى تلك التي لا تؤثر في المرور مهما كان عدد مستخدميها، وتكثيف حملات الإزالة ( ما تسمى بالبلدية في القاهرة) على الأسواق وعلى الباعة الجائلين، أو حتى إزالة الأجزاء البارزة الزائدة من أحد الكافيهات. ( أثر هذا القرار الأخير كثيراً في "فرافير" اسكندرية، فتلقيت ايميلا متداولا بينهم بعنوان عاجل جدا يحوي صور الكافيه وقد تم إزالة أجزاء منه بالبلدوزر -وسيلة المحافظ المفضلة- لأن الكافيه كان ملتقى مفضلا لهم)
عموماً، لإحداث بعض التوازن قبل أن أكمل، هنا لقاء مع المحافظ يعرض فيه لوجهة نظره بخصوص هذه القضايا، ويشرح موقفه.
في ذلك الوقت وبينما أشعر كغيري من السكندريين بالحنق من سياسات المحافظ الجديد، قرأت مقالا نشر في المصري اليوم لعمرو الشوبكي بعنوان ثمن الإصلاح. استفزني المقال جداً، فحصلت على ايميل الشوبكي من صديق وقررت أن أرسل له رداً على ما كتب، لكن للأسف لم أكمل الرسالة وقتها، ثم نسيتها بمرور الوقت. يعرض الشوبكي في مقاله للآراء التي سمعها من مواطنين سكندريين بعد زيارات قام بها للمدينة والتي تنتقد جهود المحافظ ، وهي الآراء التي استغربها لأنه توقع أنه سيجد التجربة نالت إجماعا كتجربة المحافظ السابق في قنا ويكمل ليقول أن تجربة اسكندرية :
" تعطي مؤشرات علي صعوبة عملية الإصلاح، ليس فقط نتيجة غياب الإرادة السياسة من أهل الحكم لإجراء إصلاحات حقيقية إنما أيضا بسبب ثقافة سائدة قائمة علي الاستسهال، والأخطر أنها تعايشت مع الوضع القائم وخلقت أنماطاً مريحة للتعامل معه تعتمد علي الفساد المباشر أحيانا والسمسرة والفهلوة أحياناً أخري،
فكل بناء مخالف كان يبني في الإسكندرية أو في غيرها من المدن المصرية كان يخلق مناصرين من الأثرياء ومن الفقراء، ومن المستفيدين مباشرة منه، ومن غير المستفيدين مباشرة ولكن يستنفعون من بقائه، وصارت هناك شبكة كاملة من الأعمال والصفقات والقيم تستفيد من الأوضاع المخالفة تراكمت علي مدار السنين وأصبح من الصعب تغييرها بسهولة.
والحقيقة أن هناك ثمناً للإصلاح السياسي والإداري غير مستعدة الحكومة لدفعه، وتتناساه بعض القوي المطالبة بالإصلاح، ويغيب عن ثقافة الموظفين الذين لا يعملون، وأساتذة الجامعات الذين نسوا العلم وتصارعوا علي المناصب الإدارية، وكثير من الصحفيين والكتاب الذين لا يصلحوا أن يكونوا قراء.
والمؤكد أن الإصلاح لا يعني فقط انتخابات حرة ونزيهة وتداولاً سلمياً للسلطة، ولكنه سيعني جامعات تخرج علماء وباحثين قبل أن تخرج سياسيين، ومعايير جديدة لاختيار كوادر الدولة والعاملين فيها من قضاة وضباط وموظفين، وإعلام وصحافة مملوكة للشعب وليس لحزب الحاكم.
ولكن السؤال الذي طرح في الإسكندرية سيطرح علي كل مصر، وهو كيف يمكن التعامل مع تشابكات القديم، والأوضاع التي تشكلت علي المخالفات، والأجيال التي خرجت واحتلت مواقع ولم تتعلم شيئا، والمستوي المتردي لمؤسسات الدولة التي صارت جميعها علي مقاس المسؤولين فيها من محدودي الكفاءة والعلم وأحيانا الأخلاق. "
ثم ينهي مقاله بضربه مثالا بالجامعة، وقوله أن أي رغبة في اصلاح أحوال الجامعة ستواجه بقوة من المنتفعين من أوضاعها من نظام المعيد الخالد، ومن المحاباة وأولاد الأساتذة..ألخ
كنت سأقول للشوبكي أن الحديث عن ثمن الإصلاح في الاسكندرية يفترض بداية أن ما يقوم به المحافظ في الإسكندرية هو إصلاح. كنت سأقول له أن القرارات الفردية والإصرار على العنف لا يسهل اعتبارهما إصلاحاً. كنت سأقول له أن السخط الذي ولده تنفيذ القوانين دون مخالفات ليس بسبب وجود شبكة من الفساد والسمسرة والفهلوة في المدينة، بل لوجود أزمة سكن تفرض خرق القانون، أو تتطلب من الدولة الوصول لحل آخر بدلا من حصر الناس وظهرهم إلى الحائط، لأن البديل هو "خراب بيوت" الكثير من الشرفاء -وليس اللصوص أو الفهلوية- الذين يعملون في مجال العقارات، وخراب بيوت فعلي لممتلكي المنازل المخالفة. يفترض تأييد المستبد العادل الإيمان بوجود فرد ذي رؤية إصلاحية في مواجهة جماهير جاهلة، ويتناسى أن المعارضة للإجراءات التي يتخذها الجمهور لهذا الديكتاتور تكون في الأغلب لأسباب مصلحية مباشرة كما هو واضح في حالتنا هذه ، أو لإحلال نخب جديدة مكان نخب قديمة مثلاً في حالة القرن التاسع عشر ، بينما تُسَفَّه هذه المعارضة بإلحاقها بأسباب ثقافية كالجهل في القرن التاسع عشر، أو استمراء الفهلوة والفساد في حالتنا هنا. بذل الكثير من المؤلفين جهوداً كبيرة لتفكيك الخطاب السلطوي القمعي الذي استخدم في مصر القرن التاسع عشر من قبل المستبدين المستنيرين، ولكن... نحن، في القرن الحادي والعشرين، محافظ مستبد مستنير إيه بس!! كنت سأقول له أن للإصلاح ثمنا بالفعل، ومثال أساتذة الجامعة مثال جيد، وإن كان يُفترض به أن يدرك أن على الباحث عن الإصلاح في الجامعة أن يلتفت إلى أن أكبر مؤيد ومساند لجهوده سيكون من جموع المصريين المتضررين المباشرين من أوضاع الفساد والمحاباة بالجامعة، وهؤلاء هم أغلبية المتعاملين مع الجامعة، من الذين لا يتلقون تعليما مناسبا، أو يُفَضل عليهم أبناء الأساتذة في الدرجات والتعيين...الخ، بدلا من التحسر على المصريين الجهلة محبي الفساد الذين ينتظرون النخبة المستنيرة لتصلح أوضاعهم رغم مقاومتهم العنيفة لذلك.
لكن لم أرسل ذلك الإيميل للأسف.
المهم، بمرور الوقت، ومع انتهاء العمل في الأرصفة، بدأ إعادة رصف الشوارع، وتم إعادة رصف عدد من الشوارع الرئيسية فضلا عن بدء العمل في شوارع عدد من الأحياء الشعبية التي ربما لم يتم رصفها منذ عشرات السنين. أدت هذه الاجراءات إلى تحسن في شعبية المحافظ، وإن كانت الأغلبية لا تزال تحمل تجاهه مشاعر سلبية. بدأ العمل أيضاً في مشروع إدخال الصرف الصحي إلى العجمي، وهو مشروع إن تم في الوقت المحدد لذلك، سيكفل تقديراً كبيراً للمحافظ. العجمي هي منطقة كبيرة الحجم يسكنها مئات الآلاف من الطبقة الوسطى، وهي واحدة من أواخر المناطق العشوائية الرائعة حيث كان بإمكانك أن تبني فيللا من دورين وتمد شارعاً أمام منزلك يتسع ويضيق حسب مزاجك وتسميه شارع المهيب الركن فلان الفلاني. المحصلة النهائية طبعا كانت بحراً من القبح الاسمنتي والعشوائية وتحول العجمي إلى بركة كبيرة من المياه السوداء كريهة الرائحة يمكنك أن تركب فيها جندولا كلما هطلت الأمطار في الإسكندرية.
**********************
من الممكن تفسير الاختلاف في أساليب وطرق تعامل كل من المحافظَين - عوضا عن إرجاعه إلى اختلافات في شخصية كل منهما- بالتفكير في المؤسسة التي جاء كل منهما منها. فالمحجوب جاء من جهاز الأمن القومي ، بينما جاء لبيب من الشرطة و/أو أمن الدولة. يجعل هذا لدى الاول إدراكاً لتعقيدات الحياة، وفهماً أوسع لمفهوم الأمن، بينما يجعل لدى الثاني اهتماماً عالياً بهيبة الدولة وسطوتها والتطبيق الحاسم للقانون.
لكن إذا أردنا أن نبتعد عن الشخصنة، فسنلجأ لتفسير اجتماعي - اقتصادي من كتاب الاقتصاد السياسي الهام لسامر سليمان " النظام القوي والدولة الضعيفة : إدارة الأزمة المالية والتغيير السياسي في عهد مبارك". يعرض الكتاب للأزمة المالية وعجز الموازنة وكيف حاول النظام التواؤم معها، واختار تجربتين من محافظتين مختلفتين نجحتا في تحقيق تنمية محلية أفضل من بقية المحافظات. كانتا للمصادفة تجربة المحجوب في الإسكندرية ، وتجربة لبيب في قنا. عنون حديثه عن الإسكندرية ب"الشراكة بين الدولة ورجال الأعمال"، بينما عنون حديثه عن قنا ب" نموذج المستبد العادل". يفسر سليمان الاختلاف بين التجربتين في استنتاجاته بعد عرضه للتجربتين ب:
"اختلاف طبيعة التركيبة الاقتصادية الاجتماعية في المحافظتين.
الإسكندرية هي المدينة الأكثر سكاناً والأشد ثراءً بعد القاهرة.....ولكن قنا على الجانب الآخر هي محافظة فقيرة ، تحتل المرتبة الواحدة والعشرين بين 26 محافظة في الجمهورية من حيث التنمية البشرية ... التكوين الإجتماعي مختلف في المحافظتين. الإسكندرية يوجد بها طبقة متطورة نسبيا من رجال الأعمال ، بينما لا توجد طبقة رجال أعمال في قنا. يوجد فقط أغنياء هنا وهناك. وعلى هذا فإن الشراكة بين المحافظة ورجال الاعمال مستحيلة في قنا.
وتواجد رجال أعمال في مدينة ما يغير في العلاقة بين السلطات المحلية والسكان. في قنا يستطيع المحافظ أن يستخدم الشدة والحزم مع السكان المحليين بدون صعوبات كبيرة. إنه يستطيع أن يفعل ما لا يستطيع محافظ الإسكندرية أن يفعل... استخدام العصا. عندما كان كاتب هذه السطور بمكتب المحافظ لإجراء المقابلة كان اللواء لبيب يستقبل في ذات الوقت مقاولاً مكلفاً بتنفيذ أعمال في المحافظة. لم يتورع المقاول عن تعنيف المقاول واتهامه بالنصب. ووفقاً لمصادر في المدينة ، فإن الجملة الشهيرة التي تتردد من جانب المحافظ لمن يعتبرهم من المتكاسلين أو غيرهم هي "هاعتقلك". خلاصة القول إن النموذج الذي يعمل به محافظ قنا هو نموذج "المستبد العادل". وهو يعتمد على أسلوب استبدادي في فرض ما يريده، لكنه يخفف من الطابع الاستبدادي بحقيقة أنه يستبد من أجل تطبيق العدل والنظام. وهو الامر الأصعب في محافظة الإسكندرية. فيصعب علينا أن نتصور أن يتعامل المحافظ بنفس القدر من الاستبداد مع طبقة رجال أعمال متطورة أومع نخبة قوية كالتي توجد في الإسكندرية. كان لفرض رسوم قنا على سكان الإسكندرية أن يخلق مقاومة شديدة. لذلك حينما يطلب المحافظ من السكان مساهمات في تنمية المدينة يجب أن يعتمد أكثر على أسلوب التبرعات. هكذا ما يدفعه القناوية في شكل رسوم يدفعه السكندريون في شكل تبرعات.
النمطان المختلفان في التعبئة لهما نتائج مختلفة. الإسكندرية اليوم تحمل ختم رجال الأعمال . انظر إلى الميادين وإلى النافورات التي تحمل أسماء رجال الأعمال . انظر إلى شواطئ اسكندرية التي أصبحت مخصصة، وانظر على الجانب الآخر إلى كورنيش قنا الذي يظل ملكية عامة. ...
... نحن إذن أمام تجربتين في تمويل الدولة، عن طريق الضرائب والرسوم القسرية بدون أن يكون للمجتمع كلمة في تقرير هذه الضرائب، أو عن طريق التبرعات الطوعية التي يقوم بها الاغنياء مقابل منافع محددة. وفي الحالة الأولى نحن أمام استبداد من الدولة، وفي الحالة الثانية نحن أمام استبداد للدولة إلا مع رجال الأعمال."
***********
في أحد الايام التي استغرقتها كتابة هذه التدوينة ، كنت أركب السيارة مع صديق، وبينما أدور في شوارع ضيقة بسبب العربات المصطفة على الجانبين محاطاً بالخوازيق وناطحات السحاب باحثا عن خرم إبرة لأركن السيارة، دون أن أنجح في ذلك، قلت لصديقي :" أهو ده كله بسبب المحجوب". لم أتمكن أبداً من تكوين رأي قاطع في مسألة العقارات ذات الارتفاعات المخالفة، كنت أكره منظر الخوازيق القبيحة التي لا يدخلها الشمس ، والزحام الذي تسببه، الضغط على البنية التحتية، وسوء مواصفات بنائها...الخ ، لكنني كنت أدرك أنه لا غنى عنها في ظل ظروف السكن الحالية. قال لي صديقي أن لا أقسو على المحجوب مشبهاً إياه بجنرال ينسحب من ساحة معركة محاولاً الحفاظ على أكبر قدر من جنوده، فلا يجب سؤاله في حالته تلك عن خسائره. قال أنه أدار المحافظة في بلد مأزومة بالإمكانيات المتوافرة لديه، وأنه تمتع ببصيرة جعلته يفضل مصالح الناس على تطبيق القانون عندما كان تطبيق القانون سيؤدي لضرر أكبر من النفع، وأنه أدرك أنه في بعض الأحيان تكون النتائج المترتبة على إغلاق الأبواب في وجه الناس - إزالة سوق عشوائي كامل مثلا- ذات تأثير سلبي على الأمن والقانون أكثر من تطبيق نص قانون للحفاظ على سيولة المرور أو المنظر الحضاري مثلا...
بالنسبة للمستقبل ، ستتحدد أشياء كثيرة بالنسبة للمحافظة بتحدد الطريقة التي سيتم بها تعمير المناطق الزراعية - حول الطريق الدولي- وتلك الصحراوية - بامتداد محور التعمير، وقرب بحيرة مريوط- والتي يتجه إليها العمران حثيثا. لا أحد يعلم يقينا إذا ما كانت ستنشأ هناك مجمعات مسورة تحوي فيلات يهرب إليها صفوة السكان تباعا ، كما الحال في القاهرة، أو ستترك للعشوائية وأن يبني كل فرد ما يريحه على أرضه، أو سينشأ نوع من الإسكان الشعبي على غرار مشروع ابنِ بيتك للشباب، أو سيتم إنشاء مبانٍ متوسطة الارتفاع مع قدر لا بأس به من التخطيط.
عموما وكما كنت سأنهي رسالتي لعمرو الشوبكي، فبالنسبة لمسألة المحافظين، كما لغيرها من المسائل، نحن في انتظار أن يكون للناس رأي في إدارة حياتهم ومدينتهم ، ورأي في التفكير في مستقبلهم. نحن في انتظار الديموقراطية.
هناك ٨ تعليقات:
يرافو يا محمد , عرض ممتاز و روابط هامة جدا .. سؤالك مهم و الإشكالية واقعية للغايه : تنفيذ القانون ( و اصلاح اوضاع قائمة ) بغض النظر عن مصالح الناس و تأثرها بالنتائج .. ام اكتساب بعض الليونة في التعامل مع الأوضاع القائمة ؟
..
اضافة لكلامك أحب اقول ان أيام المحجوب ظهرت في منطقتنا عمارات الفوق 10 ادوار و دي مصيبة في منطقة اعلى ارتفاع فيها 4 ادوار و عرض شوارعها ساعات بيوصل أقل من 10 متر ... كانت النتيجة حاجات يوميه بتحسها باستمرار , انقطاع مستمر للكهرباء , للتليفونات , ازعاج غير معقول و الأهم من ذلك قصور خدمات الصرف و المياه .. اصبح من قبيل المستحيل الآن اني الاقي ضغط مياه كافي في فترة الظهيرة .. ناهيك طبعا عن التأثير الإجتماعي و ادخال عناصر جديدة للمنطقة .. على الجانب الآخر عهد لبيب امتاز بانتشار البطالة بين الشباب اللي شغلتهم شوية اعمال البناء سواء كعمال او ملاحظين .. و عادت تجارة المخدرات و الحشيش باكثر من السابق . العديد من المقاوليين اللي كانوا ماليين المنطقة من عدة سنوات اختفوا .. و العروض الكثيرة اللي كانت بتنهال علينا لازالة عمارتنا ( واحدة من اقدم العمارات القديمة القصيرة الموجودة في الشارع ) اختفت تماما .
ولأكمل أمثلتك، اكتشف صديق لي عند بحثه عن شقة للزواج أن عليه أن يذهب في الأغلب خارج الإسكندرية إذا أراد الحصول على شقة، بعد أن كان ما معه يكفيه للحصول على شقة قبل مجيء لبيب.
وأعرف صاحب شركة استثمار عقاري مهدد بالإفلاس ودخول السجن وإغلاق الشركة، ،وطبعا إغلاق بيته وبيوت كل العاملين في شركته، وكل من تكلفهم بأعمال في مجال المقاولات، لأنه ألقى كل الملايين التي أمكنه الحصول عليها في شراء أراض لتنفيذ أحد المشروعات -وهو ليس مشروعا غير قانوني- لكن لبيب ترك بصمته وأوقف المشروع لحين إشعار آخر.
really nice article ... long ,but very informative... thanks
مقال رائع ورغم طوله مقدرتش أسيبه إلا لما أخلصه. فى الوسط كده حسدت السكندرية على وجود محافظ (أياً كان) طالما ليه رؤية سواء من يهتم بالناس أو من يهتم بالنظام لأنى أفتقد لشخص المحافظ فى محافظة كبيرة مثل الدقهلية التى أصبحت محافظة عجوز مهملة.
First of all sorry to write in English and second sorry for the long reply
Nice article but I will explain my opinion with an example
I work as a contractor when El Mahgoub was in charge I could sell the apartment with about 25000 and the steel prices was around 3000 : 3200 now when the Labeb came I sell the same apartment in the next build am building for 40000 why ?
1- The steel prices and the cement all the other things u know
2- And the real reason why the big deference in the price at el Mahgoub time (mohandes el 7y) took rashwa on the floor about 3000 now he takes 8000
I want to clarify some things to make you get the full picture the deference in the steel and construction material can't make the price go that high if I was selling for 25000 with the prices change I can sell for 30000 and I have about 3000 extra for me.
and for the rashwa if I didn't pay I will get fucked for real and if I tried to make ro'7sa and work as legitimate I will only get ro'7sa for 2 floors and will pay about 40000 plus 10000 rashwa so if u make a little bit of math the government forces the contractor to pay bribes instead of doing the job right.
El Mahgoub understands that so he gave the business men what they want in a limited manner that can't hurt so much and took another thing in exchange but at least the people of Alexandria benefited from that.
The Labeb on the other hand all he cares about is fuck the buildings up in the name of the law but with that he just made the apartments higher besides no one and I mean it no one stopped building its only stopped for a month or two and now everybody is building again they stopped this days because of the Loran Building but I promise you that at max 2 months and everything will be normal again the only one benefited from the change from El Mahgoub to The Labeb is Mohandsen el A7ya2 and the only loser is the people of Alexandria
أهلا بيك يا باشمهندس pd-sama
عشان أتأكد اني فاهم، انت بتقول ان واحد من أسباب ارتفاع أسشعار الشقق الي حصل، هو نتيجة لزيادة أسعار الاسمنت والحديد، وان كان ده مش السبب الوحيد، وان سبب الارتفاع هو ان مهندس الحي رفع سعر الرشوة اللي بياخدها، صح كده؟
طب ليه مهندس الحي رفع أسعار الرشاوي بتاعته؟
المرة دي عربي
أيوة هتسئل ليه طبعا زي ما أنا سألت كان رد المهندس بسيط جدا كالأتي
لما الحديد يغلى و كل حاجة تغلى جت عليا أنا ؟!!!
قلت له أخبط راسك في الحيطة و اللي عندك أعملة كان ردة بسيط عمل قرار أزالة و عشان يئدبني أنا دفعت 10000 جنية عشان ألغي القرار أو بالأحري يحطة في الدرج و يطنش و دفعت ال8000 بتوع الدور زي الباشا
توضيح مش بس الحديد اللي غلي و الأسمنت أسعار الأراضي و الطوب و الرملة حوالي 95% من مواد البناء غليت للضعف الشهر اللي فات قبل حتي المازوت ما يغلى
رئيسية الموقع :
مصر اليوم
اخر مواضيع منتديات مصر اليوم :
ترددات قنوات النايل سات الجديدة بعد التعديل
اهلا بكم , اضع لكم موقعى لتتطلعوا عليه
منتديات مصر اليوم هى منتديات عامة تهتم بالكثير من الاشياء المصرية . منتديات مصر اليوم هى منتديات عربية عموما مصرية خصوصا و هى منتديات عامة تهتم بكل ما يهتم به الشباب المصرى من الحوار او النقاش او اخر الاخبار او جديد الصور و الاغانى و الالبومات و الكليبات و الافلام و النكت و الفيديوهات و الموبايلات و تحتوى على اقسام مميزة مثل قسم اللغة الانجليزية و قسم اصحاب المواقع و المنتديات و قسم البرامج و القسم الاسلامى و قسم المرأة و قسم الرومانسية و الرياضة المصرية و الكثير ....
شاهد اقسام المنتدى :
اخبار مصر صور نكت مصرية اغانى قنوات و ترددات اخبار الرياضة المصرية مشاهدة مباريات بث مباشر اسعار السيارات
إرسال تعليق