يتعرف محمود على شابين في القسم فنجلس جميعا على مقهى بجوار القسم. نتبادل حديثا عاما و إن شاركونا بعض تفاصيل تجربتهم الانتخابية. أميل إلى تصديق ما قالوه رغم عدم قدرتي على التأكد منه ، لأنني سمعته من كثير من المصادر. تحدثوا عن شراء الأصوات و الذي يتم التأكد فيه من تصويت الناخب للمرشح الراشي بحلف المواطن على المصحف ( قرأت أمرا مماثلا في المصري اليوم ، و سمعت من مدير حملة مرشح الجبهة في باب شرق أنه قد قالت له سيدة من المشحونات جماعة عندما حاول ابعادها عن المرشح الراشي : يا بني مقدرش ، متحمليش ذنب الحلفان عالمصحف ) . و تحدث أحدهما عن إغلاق باب مدرسة ببلطجية يحملون السيوف في رأس التين ( و هو مماثل لما شاهدته بعيني في الجمرك) و أن البلطجي قال أن الحكومة هي التي جلبته هنا ( أمر مماثل لاعتراف البلطجي لهيثم في الجمرك ، و لاتهام سأسمعه لاحقا من الكثير من أهالي كرموز) و أنه سيصدر له أمر اعتقال ان لم يقم بما يقوم به. و قال أحد الشابين أن الإخوان مظلومون و أن الحكومة تمنعهم لأنهم " ناس نضيفة" و هي لا تريد سوى اللصوص. و قال أن بعض من يأخذون 100 جنيه يدخلون و يعلموا على " الإسلام هو الحق" . يقول أن الناس التي تاخد النقود لا تفكر سوى في يومها ، أما الناس التي تنظر للمستقبل فترى حال الفقر و عدم توفر فرص عمل و المعاملة في الميري فتختار من سيصلح حال البلد.
نعود إلى نقابة المحامين و نسلمهم ما حصلنا عليه من معلومات و نستمع لتفاصيل أخبار الساعات الماضية : أستاذ جامعي مراقب تم الإعتداء عليه و هو الآن محاصر داخل اللجنة عاجز عن الخروج ، حوادث في مجمع التدريب المهني بالساعة ، مجمع المدارس بالرمل ، مدرسة الفلوجة ، قيد جماعي ، نظام التعارف ، صندوق تحطم ، اعتداءات ...الخ
وسط ضجيج المتحدثين في الهواتف لم تتردد سوى كلمات : طعن ، اطلاق نار ، مصاب ، ضرب ، قتيل ، اعتقال مندوبين ، بلطجة ، نقل لمستشفى.
قلت لمحمود : أحس أن هذه تغطية حرب و ليست تغطية انتخابات.
آخر المعلومات المتوفرة لديهم أنه في الوقت الحالي فإن الهدوء عاد لدوائر الرمل و باب شرق و المنتزه و تستمر العملية الانتخابية بعد أن تراجع البلطجية. كرموز لا زالت تشهد أحداث عنف.
نغادر و نتجه إلى كرموز.ننزل عند كوبري كرموز الذي يمر فوق ترعة المحمودية. لا نعرف أين نتجه بالضبط ، فنتصل بمرشح الغد في كرموز و الذي يحضر لاصطحابنا إلى مقره القريب. بمجرد وصولنا و معرفة الناس أن بيننا صحفيين حتى أحاط بنا جمع كبير يحكي و يشير و يكشف عن أذرعه و أقدامه الجريحة و يرفع أوراقا.
حكوا عن المرشح المستقل سيف القباري الذي تعرض للطعن . جاء قريب أحد مرشحي الفئات المستقلين ( شبارة) ليروي أن أخاه تعرض لإطلاق نار في قدمه ، إذ قام أحد البلطجية بضرب مناصر للإخوان فسقط على الأرض فاقترب منه البلطجي بسلاح ناري فتدخل الأخ لإنقاذه و اشتبك مع البلطجي فانطلقت رصاصة استقرت في ساقه. رجل أراني توكيلا عاما عن مرشح الغد يسمح له بدخول أي لجنة و يقول أنه لم يتمكن من دخول أي لجنة. رجل يكشف عن ساقه الجريحة و يقول أنه تعرض للضرب من البلطجية. يحكون عن هجوم كاسح للبلطجية منذ الصباح استهدف منع الناخبين و إرهابهم و عن امتناع الأمن عن التدخل و رددوا بغضب كبير اسم رئيس مباحث كرموز مدحت عوض محملينه مسؤولية احضار البلطجية و سمعت منهم و من غيرهم في مختلف أنحاء كرموز مقولة - لا يمكن التأكد منها و إن كانت متواترة -أن الأمن جمع المسجلين خطر من قبل يوم الإنتخاب و قام بإعطائهم نقودا و أطلقهم صباح يوم الإنتخابات. شاب يرينا كدمة في وجهه. يروي الكثير من الناس أن الأمن كان يقف بجوار البلطجية دون أن يتحرك و يرفض الإستجابة للمستنجدين بهم. يقول شاب من الغد أنه التقط مجموعة من الصور للبلطجية فأوصيه بأن يحرص على كاميرته. يروي لي الشاب نفسه أنه شاهد مجموعة من مرتدي ملابس مدنية ( يرجح أنهم أمن دولة) يمسكون بشابين من الإخوان و لكن عبرت عربة للتلفزيون فتركوهما و انطلقوا هاربين ، يضحك و يقول أنهم ظنوها الجزيرة و لكن اتضح أنها عربة للقناة الخامسة.
يطلب مرشح مستقل آخر مقابلتنا و يروي لنا نفس التفاصيل : البلطجية و الاعتداءات و اتهام للأمن ليس باللامبالاة فقط بل بجمع و إطلاق البلطجية. الناس مشتعلة غضبا ضد مرشح الوطني فئات محمد البلشي الذي كان كل هذا الترويع لصالحه. يحكون عن قريب لمحمود عطية مرشح الإخوان فئات تعرض لإصابة جسيمة. كان التعاطف مع الإخوان كبيرا جدا " يعني أنا لو ماشي في الشارع و لقيت ناس بلطجية ملمومين على واحد غلبان و بيضربوه هعمل ايه يعني؟ هما فاكرين انهم هينجحوا كده؟ ده بعدهم ، كل الناس بقى صوتت للإخوان و محدش صوت للبلشي" . أما موضوع رد الإخوان على العنف فيبدو مما سمعته منهم أن الإخوان دافعوا عن انفسهم ما أمكنهم و رفض كل من حدثتهم بقوة أن يكون الإخوان بلطجية و قال البعض أن الإخوان حملوا السلاح فقط ليردوا به ضربات البلطجية ، و قال آخرون أن بعض الاهالي و بعض من يحتفظون بسلاح تدخلوا حاملين السلاح تعاطفا مع مناصري الإخوان.
نعود لمقر الغد و أتناول مع محمود غداء من عربة تقف بجواره فيقترب مني شخص و يحكي لي أنه بينما كان يمشي في الشارع منذ شهور أمسك به ضابط و نقله للقسم و خلع ملابسه و انهالوا ضربا على قدمه بالشوم ثم أدخلوا عصا في " حتة و لا مؤاخذة". أذهل. يضيف هذا إلى شعوري بالسوريالية في كرموز حيث " تتكعبل" في حالات التعذيب. "هل لهذا علاقة بنشاطك السياسي؟" يقول أنه لم يكن قد انضم للغد يومها و لم يكن له أي نشاط سياسي. أسأله عما فعل فلا يبدو أنه فعل شيئا. يقول أن " الموضوع ده مأثر على نفسيتي و بتعالج في المستشفى دلوقتي" . أعطيه رقم أحد محامي حقوق الإنسان و أوصيه بمكالمته.
هيثم و سكوت ينطلقان لمشاهدة المدارس التي يقف أمامها البلطجية. يريد محمود مقابلة أبو العز الحريري ( مرشح عمال الجبهة / تجمع) فيقرر رجل و شاب من أهالي المنطقة و أعضاء بالغد مصاحبتنا لأن المنطقة خطرة هناك. نركب عربة ميكروباص صغيرة و عندما نقترب من شارع النيل حيث مقر أبو العز و قسم شرطة كرموز و متفرع منه شارع حيث مدرسة يغلقها البلطجية حتى ذلك الوقت ، تقول لنا سيدة مسنة " يا ولادي متدخلوش هناك ، الدنيا متدغدغة . دي مش انتخابات دي صياعة و قلة أدب" . نترجل و نمشي باتجاه ذلك الشارع . عربة نصف نقل بزجاج محطم. ندخل الشارع فيواجهنا القسم و حوله أعداد كبيرة من رجال الشرطة و الرتب و الجنود و عربات الشرطة واقفين في أماكنهم . نمشي من أمامه و بعده بامتار تواجهنا مسيرة من أشخاص يتقدمهم حاملو السيوف و يليهم حاملو العصي و الشوم متجهة نحو القسم. أترك الشارع و أقف على الرصيف مذهولا و خائفا بينما يعبرون أمامي . يتجهون نحو القسم. أحاول أن أفهم من هم هؤلاء فيقول البعض أن الشرطة قبضت على فتى لا علاقة له بالبلطجة و أن هؤلاء ذاهبون للقسم للمطالبة بالإفراج عنه. في شارع جانبي على بعد أمتار من القسم مدرسة ابراهيم نجيب حيث يحيط تجمع كبير من الناس بالمدرسة و بعض الأسلحة البيضاء مرفوعة في الهواء . يبدأ جمع كبير في الإحاطة بمحمود بمجرد معرفة أنه صحفي و يروون حكاياتهم المماثلة لما سمعناه من قبل. شخص يمسكه و يطلب منه الذهاب معه للمنزل. لا أشعر بالاطمئنان من هذا التجمع الملفت للنظر وسط كل هذه الأسلحة. يقول لي الرجل الذي يصطحبنا " هات محمود ، كده مينفعش". أمسك بذراع محمود و أجذبه. نتوقف عند مقر أبو العز. ليس موجودا الآن. تجمع جديد و الناس تحكي عن البلطجية و الأسلحة. " عمر ما في ناس شايلة السيوف تمشي كده في وسط الشارع و تروح القسم. ده حمل السلاح الأبيض ياخد عقوبة لحد 3 سنين" و " أنا شاهد ، مستعد أشهد ان الصبح واحد كان ماسك سيفين ، رحت للضابط اللي واقف قلتله : يا باشا اعمل حاجة. قاللي: امشي من هنا ياد ، انت مش شايف انه مجنون؟". " ما هوا يطلق البلطجية و في الآخر يقولك ، ده الشعب بياكل في بعضه ، خلليهم ياكلوا في بعض . و هما يقفوا يتفرجوا". الرجل الذي يصطحبنا يعيد التأكيد على قلقه فأقول لمحمود أن وراءنا موعدا - وهميا- و أضطر لسحبه. نغادر الشارع أخيرا بصعوبة.
طوال الطريق يقابلنا أشخاص يحكون عن البلطجة و العنف و يتهمون الشرطة إما بعدم التدخل فقط أو بأنها هي من جمعت البلطجية و أطلقتهم. نتصل بأبو العز و نقابله عند كوبري كرموز. يجري معه محمود حوارا تقليديا عن المعارضة و النظام و الانتخابات و الإرادة الشعبية. بينما نتحدث معه عند طرف من الكوبري يشير أحد المتجمعين حولنا و يقول : "أهم البلطجية عالناحية التانية يا ريس" . أكاد أن أضحك و أقول look over your shoulder . مسيرة تعبر الشارع على الجانب الآخر من الكوبري. يغادر أبو العز و كالعادة يحيط بنا أهالي غاضبون يروون ما شاهدوه من بلطجة و عنف. يهاجم آخر الصحافة التي لم تأت للاستماع للناس أو تهتم بتصوير ما حدث .
يأتي هيثم و سكوت. سكوت مصفر الوجه. يروي هيثم أنه أمام مدرسة على ترعة المحمودية شاهد مجموعة من الناخبين معظمهم من النساء مرتديات الخمار مما يرجح أنهن من الإخوان بينما يقف أمامهم مجموعة من البلطجية المسلحين مانعينهم من الدخول. فقاموا بدفع البلطجية محاولين الدخول و نجحت محموعة من السيدات في الدخول بالفعل ،و هنا بدأ الضرب و جاءت مجموعة أخرى من البلطجية لتطارد النسوة الواقفين بالخارج بينما بدأ البلطجية في ضرب النسوة بالداخل بالعصي و بظهر السيف ( و ليس بحده) فقامت النسوة بالدفاع عن أنفسهن و رد الضرب بأيديهن و أرجلهن و خمشا و ركلا ما استطاعوا. شاهد هيثم سيدة تصاب بجرح قطعي في رقبتها.
نجلس على مقهى لوقت قليل و نمشي مسافة ثم نركب تاكسي. أتنفس الصعداء أخيرا. كرموز كانت منطقة غاب فيها القانون . رُوِّع أهلها بصورة إجرامية. أحمد الله على أننا خرجنا منها سليمين. أتذكر ما قاله لي الكثيرون ممن تحدثوا معنا : " هتنقلوا اللي قلناه؟" " الناس برة هتعرف اللي حصل؟". " دي أمانة في رقبتكم قدام ربنا انكم تقولوا اللي شفتوه"
نتجه بعدها إلى مقر حملة عادل عيد مرشح الجبهة فئات / مستقل باب شرق . تمطر السماء فأقول لهيثم اكليشيها مبتذلا : " السماء تبكي على ما حدث" و نضحك. نسمع من العاملين بالمقر عن تفاصيل شراء أصوات علني ، و عن مقاه تبيع الأصوات ، دخل إحداها المستشار عادل عيد أثناء تجواله بالدائرة و قال لمن فيها ساخرا : " فين الخمسين جنيه بقى عشان أنتخب مصيلحي". و على ما يبدو فإن حوادث البلطجة و التخويف بباب شرق انحصرت بفترة الصباح ثم هدأت الامور بعدها بينما استمر بيع الأصوات حتى نهاية الانتخابات. يقول أحد المندوبين أنه اضطر للإحتماء بمبنى المدرسة هربا من البلطجية ثم اتصل بصديق له ، و الذي أرسل العاملين عنده لإنقاذه و تهريبه خارج مبنى المدرسة.
بينما نجلس في المقر ، يقول مراسل التلفزيون المصري بالإسكندرية مبتسما و لامعا أن العملية الانتخابية شهدت بعض الاشتباكات بين أنصار المرشحين نتج عنها إصابات طفيفة و قام الأمن بفض الإشتباكات و السيطرة على الموقف. أفقد التحكم في اعصابي و أصرخ : " كداب يا ابن ال..."
نحاول الإلتقاء بعادل عيد و لكن كان قد حان موعد الفرز. يحصل محمود على لقاء سريع معه. نفترق أنا و سكوت و محمود.
من مرشح الغد في اللبان و العطارين أعرف في اليوم التالي أنه طرد و بقية المرشحين من لجنة الفرز لمدة ساعة. و أسمع منه و من أعضاء حملته حكايات عن إطلاق نار و بلطجة و " مية نار" و قيد جماعي و صندوق محطم ، و عن أوراق مسودة لصالح خالد خيري ( فئات وطني) و كمال أحمد ( عمال مستقل - معارض افتراضا) و أنهم أثبتوها في محضر اللجنة.
أبقى طوال الليل أمام لجنة الفرز في باب شرق. و لكن هذه حكاية أخرى كما هي حكايتي المتأخرة التي لم أروها عن مشاركتي في حملة انتخابية.
أعود للمنزل و أنام.
الخميس، نوفمبر ٢٤، ٢٠٠٥
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك ١١ تعليقًا:
I feel like reading novel for a Nobel writer, really your way of writing and describing events is unique , you are my back window to see Egypt differently , and althought what is happenning there , i feel hope , and I'm sure that we will see different Egypt soon.
gazaka Allah kol kheer .
it is true the writing style is enjoyable and fun to read. keep it up
U have done a very hard work,I am happy to read your discriptions of that day.Continue to do It,I feel as I been there,.
Thansk
Saad (Egyptian Laic)
Je vous demade de cotinuer,c'est le seul chmein vers un etat de droit,et un etat laïque.
Merci (Saad)
سمعت خبر بيقول ان الاخوان كمان استأجروا بلطجيه عشان يحموهم من بلطجيه الحزب الوطني
((فقاموا بدفع البلطجية محاولين الدخول و نجحت محموعة من السيدات في الدخول بالفعل ،و هنا بدأ الضرب و جاءت مجموعة أخرى من البلطجية لتطارد النسوة الواقفين بالخارج بينما بدأ البلطجية في ضرب النسوة بالداخل بالعصي و بظهر السيف ( و ليس بحده) .))
أشكرك يا محمد
جميل
سلس
موجع
أتابع
Hi there Mohammed,
I was surfing the web and I was wondering why don't you join the Egypt Blog Aggregator at www.iopblogs.com
it already started aggregating for the UAE Blogs at uae.iopblogs.com and adding new countries. so hurry and submit your blog.
Hey Mohammed,
We've been working on a blogging-related project called toot. I would really appreciate it if you email me at roba@itoot.net.
Thanks!
صار لك فترة ماكو يا محمد
ان شاء الله تكون بخير
تارا
محمد في حالة شبحنيح
:)
سبحان الله
نفس حالتي بالضبط
اذا حكيت معه
سلم لي عليه من فضلك
إرسال تعليق