الجمعة، يونيو ١٧، ٢٠٠٥

عند السيدة

*مقدمة لا بد منها:

عندما علمت بخبر المظاهرة للمرة الأولى ، لم أعجب بالفكرة ، و كان رأيي أن هذه فكرة تُفَرِِِّق و لا تُجَمِّع ، و أنها تفتح أبواب نقاش - قد تكون هامة - الا أن طابع حركة التغيير بمختلف فرقها هو البحث عن المشترك، و الهدف من أفكار التظاهر غير التقليدية هو "تسويق" الفكرة لقطاعات مختلفة. أرسلت رسالة الى عمرو و علاء موضحا أسباب اعتراضي (أعيد نشر مقاطع منها هنا بتصرف و تعديل):

((أعتقد ان كنس السيدة كفيل باثارة عدم التعاطف عند الطبقة الوسطى - الجمهور الأكبر لحركة التغيير- بصورة عامة لأنهم سيرون أن كنس السيدة - و هذا ليس رأيي على فكرة-:
*طبقيا:متخلف و شعبي و "بيئة"
*حداثيا: أنه غير مناسب لروح العصر.... مظاهرات برموز و شارات بيضاء و أوشحة برتقالية و
خضراء أكثر مناسبة لعصرنا في رأيهم...
*دينيا: يحمل شبهة "شركية" هي تأليه السيدة زينب ، و الاتجاه لغير الله بالتضرع و الطلب

اذن فنحن ننظر هنا الى المهمشين؟؟ الى القاعدة التي ينعدم فيها وجود حركة
التغيير المحصورة في القمة و بعض المتعاطفين من الوسط...

لا أدعي معرفة خاصة باتجاهات و آراء تلك الطبقة التي ابتعدت عن العين
فابتعدت عن العقل و القلب ، و لكنني أرى وسطها اهتماما بشيوخ الصراخ و
الزعيق... مثل الشيخ يعقوب.... شيوخ وهابيو التوجه تبسيطيون للغاية و
يطرحون رؤية متطرفة و مبسطة للعالم....

ربما لا زال هناك "تدين شعبي" في الريف ، و لكن هامش المدينة يقتات على
أفكار دينية عنيفة وهابية و يحاول الانسلاخ من تراثه التقليدي - دينيا كان أو غير ديني- و يحتقره و يحاول الابتعاد عنه ليخرج من عار الفقر و التخلف الى تحضر المدينة الذي يراه بعينه و يكاد يلمسه بيديه لكن تلك المدينة تنبذه و ترفض السماح له بالدخول ....

اذن فهذه الرمزية موجهة لمن؟

للمثقفين العلمانيين الذين سيرون الرمز في هذا و تجاوزت رؤيتهم عصبية بطل
قنديل أم هاشم في بداية القصة الى تقبله و تسامحه في
الجزء الأخير منها؟؟؟))

تلقيت ردودا من عمرو و علاء اللذان اتفقا على ضرورة تجريب أفكار جديدة ، و أن نقترب من أناس لم يقترب منهم أحد سابقا ، و أن نحترم معتقدات الآخرين التي تتعرض للقمع...

ظللت على رأيي من أن خسارة المتعاطفين مضمونة ، أما الربح فغير مضمون .... لماذا ذهبت اذن؟ على مستوى شخصي لم أكن مقتنعا بأي من حجج المعارضين التي تهاجم "تخلف" الحدث ، أو تتهم المشاركين فيه "بالشرك" في عجز عن ادراك الرمزية و السخرية فيه ، و أن المظاهرة - السياسية لا الدينية- كانت تكرارا لطقس مصري بالذهاب للسيدة - نصيرة المظلومين التي وقفت في وجه يزيد- عندما يتعرضون لظلم هائل ، و هكذا أقيمت مظاهرة السيدة للدلالة على أن حجم الظلم غير مسبوق و أن كل الطرق القانونية للاحتجاج سدت فلم يتبق الا "كنس السيدة" ، و ليس عن اقتناع بمعجزات تحل عند التظاهر عند السيدة مع رفع المقشات الصغيرة .... ستثير قضية الشرك هذه قضايا عديدة: التدين الشعبي و المؤسساتي ، الوهابية و التأثير السعودي ، الصوفية و التسنن ، و حتى الدين و السياسة... كنت أود أن أستطرد أكثر في نقطة الشرك لأنه يحزنني كمسلم - لا يؤمن أصلا بفائدة أي تضرع موجه للبشر- أن أوصف بالشرك ، بل و دعك مني ، أن أرى تهم الكفر تطير لتحلق فوق رؤوس الملايين - مصحوبة ربما بصكوك اعدام لتنفيذ حد الردة..( و هو ما حدث و يحدث في العراق و باكستان)

كنت أود الذهاب أيضا لأرى عن قرب أولى محاولات احتكاك المتظاهرين بالشارع بعيدا عن سلالم النقابات و المحاكم...

*******************

*عند السيدة:

نزلت أنا و أفريكانو من محطة مترو السيدة و مررنا بسوق شعبي و منه تهنا قليلا بين شوارع السيدة ، ثم رأينا الجامع يبدو عن بعد ، و تعجبت عندما لم أر أي وجود أمني ، الا أننا باقترابنا أكثر ، اكتشفت أن الجهة الأخرى من الجامع محاطة بعدد عجزت عن احصائه - صدقا!- من عربات الأمن المركزي الخضراء...

عند ضريح السيدة زينب - الذي أغلق بالضبة و المفتاح- كانت المظاهرة ، و التي ركزت اللافتات المرفوعة بها على الاحتجاج على ممارسات رجال الشرطة و القيادات الامنية ، مع تيمة مناسبة للمكان : "ادعوا على العادلي" وزير الداخلية ... " ادعوا على العزبي" مدير أمن القاهرة .. "ادعوا على العزازي" عقيد بالشرطة تتهمه كفاية بتسهيل اعتداءات 29 مايو ...


"ادعوا على حسني مبارك!"

و "ادعوا على ضباط جابر بن حيان" مقر مباحث أمن الدولة بالدقي ...

(الصورة نقلا عن الوعي المصري - وائل عباس)
"ادعوا على ماجد الشربيني" أمين شباب الحزب الوطني و متهم بالمسؤولية عن اعتداءات 25 مايو ...

" حاكموا البلطجية"

"بلدية" و هي المسؤولة عن ازالة ما يبيعه الباعة الجائلون على الرصيف....
"لو اتكلمت هنقتلك ، ديتك رصاصة بتلاتة صاغ"

" نكتب مخالفة ولا كل سنة و انت طيب؟" و هي اشارة لما قد يقوله ضابط مرور يطلب من سائق رشوة بديلا عن تحريره مخالفة ضده ....



و كرتونة تجمع الكثير من عبارات الاهانة التي يمكن أن يوجهها ضابط الشرطة للمواطن..

و .. " مدد يا مصر"

و ... " مدد يا ست"...

و عدد لا باس به من الكفايات ...






كانت معظم وجوه كفاية الشهيرة غائبة... كمال خليل ، محمد عبد القدوس ، عبد الحليم قنديل ، أبو العلا ماضي ، جورج اسحق... كلهم كانوا غائبين ، و السبب أن كفاية لم تتبن فكرة المظاهرة المستقلة و لم تؤيدها و لم تخرج المظاهرة باسمها - على عكس ما كتبته بعض وسائل الاعلام الخائبة هنا ، و هنا مثلا- ، و ان حضر عدد من أعضاء "شباب من أجل التغيير" -و هي مجموعة شبابية منضوية تحت لواء كفاية- و على صدورهم شارات كفاية و كان لهم الدور الاكبر في قيادة الهتاف ، و الذي خرج بطبيعة الحال "كفايويا" محضا... و كان هناك عدد من اعضاء كفاية الاكبر سنا و الذين حضروا بصفتهم الشخصية أيضا..

نظم المظاهرة علاء و منال و عمرو و نورا يونس من الشارع لنا ، و بدأ الأمر بما ظننته نكتة سمعتها من علاء في يوم 1 يونيو في مدخل نقابة الصحفيين :" احنا نكنس عليهم السيدة بقى" - الا أنه أكد لي لاحقا أنه كان جادا منذ البداية - و عزز الأمر قصيدة عمرو و لافتته....انضمت لاحقا رابطة الامهات المصريات - مما نتج عنه تواجد نسوي يضع شارات الشارع لنا - و الحملة الشعبية من اجل التغيير ، و بعض من نشطاء الغد ..

قدرت عدد المتظاهرين ما بين 300-400 متظاهر... و كان هناك تواجد مكثف للغاية لوسائل الاعلام ، و كالمظاهرة السابقة يبحلق في الاعلاميات مساكين الامن المركزي ،

(الصورة نقلا عن العروبي - جوش)
و شاهدت علاء يدلي بحوار تلفزيوني ...


شاهدت كاميرات الجزيرة

و الحرة و العربية و سي ان بي سي عربية و أبو ظبي و ام بي سي ، و عددا كبيرا من مراسلي وكالات الانباء و الصحف...

استمعت للدكتورة ليلى سويف - من حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات- و هي تحكي لمراسل صحفي عن أصل الفكرة، ذكرت كاريكاتير صلاح جاهين ،

و قالت أننا حاولنا كل شيئ مع الحكومة ، و ذهبنا الى النائب العام " و منفعش معاها حاجة ، قلنا خلاص مش باقي غير نكنس عليهم السيدة"
سأل الصحفي ان كان هناك كنس حقيقي سيتم ، فأجابته بابتسامة أنها تفضل أن يبقى الأمر في حدود الرمزية...

أمامنا و في الجهة المقابلة من الشارع ، و بعد أن تتجاوز عيناك صفوف الأمن المركزي ، لترتفع الى أعلى سترى العديد من لافتات التأييد لمبارك و سرور - السيدة زينب هي دائرته الانتخابية- ...



و منها لافتة تغطت بالسخام من جراء تلوث الجو - تظهر في الطرف الأيمن من خلفية الصورة التالية-

أعلى قليلا و ستواجهك كاميرا تصور من فوق عمارة ، و أخرى تصور من مشربية...

( الصورة نقلا عن الوعي المصري- وائل عباس)
" أمن دولة!" هكذا قال لي من وقف بجواري... في بداية المظاهرة سيدفع متظاهرون شبان بمصور يضع كاميرا فيديو على كتفه و يجوس وسط المظاهرة كبقية الصحفيين صائحين أنه أمن دولة... أفكر: " ده بتاع الكلوز أب بقى! " ... يجره متظاهر أكبر سنا بعيدا عن الغاضبين ، فيستمر في التصوير حتى نهاية المظاهرة من خلف صف جنود الامن المركزي.

أكمل في وقت لاحق...

*الصور من التقاطي عدا تلك المصحوبة بتنويه عن مصدرها...

* هامش: عرفت لاحقاً أن المشربية التي كان يصور منها رجال أمن الدولة هي سبيل مياه أثري من انشاء السلطان مصطفى الثالث ( 1172 ه - 1758 م )

ليست هناك تعليقات: