نزلت من المنزل. عند السابعة صباحا كنت أقابل "م" أمام قسم الشرطة في الدائرة التي سنعمل بها - يحوي القسم ذاته لجنة-عربة ترحيلات. مخبرون و رجال شرطة. انتظرنا نصف ساعة ليصل بقية فريق عمل ائتلاف مراقبة الانتخابات. وصل محاميان. أخرجنا قائمة المدارس التي تحوي اللجان. حصلت على مدرستين و حصل "م" على مدرستين. تبادلنا أرقام الهواتف مع توصية بعدم الاستجابة لأي استفزاز. انطلقنا.
لا زلنا لا نعرف ان كنا سندخل الى اللجان أم لا ، أتوقع أننا لن نتمكن من ذلك. أتمنى أن يكون مندوبا الغد و الوفد متواجدين لحظة فتح الصناديق ليتأكدا من خلوها من الاوراق. من حق المندوب التواجد داخل اللجان على عكس وضعنا غير الواضح. خيبة الأمل التي سأكتشفها لاحقا هي أنه في عدد اللجان التي قمت انا و "م" بتغطيتها لم يكن هناك مندوبون لأي حزب غير الوطني.
المهم...
أفترق أنا و "م" و أبدأ في السؤال عن المدرسة الاولى. أصل اليها أخيرا. أمامها لوحة قماشية كتب عليها : " عايزين أستاذ الأساتيذ ، مش اللي لسة تلميذ. مدرسة "...." تبايع مبارك رئيسا للجمهورية . عايزين المعلم مش اللي لسة هيتعلم". أشاهد سيدة و ابنتها تخرجان من الداخل. أسألهما عن تفاصيل الاقتراع : " البطاقة الوردية؟ الستارة ؟ الصندوق؟ رئيس اللجنة ؟ الحبر؟ الحبر لا ينمسح؟" يبدو لي من اجابتهما أن كل شيئ يتم على أتم وجه. أدخل المدرسة فتواجهني سيدات يجلسن على طاولة كتب عليها " ارشاد الناخبين". يستعلمن عن صفتي ، فأقدم لهن كارنيه الائتلاف. أجد شابا من اللجنة المصرية المستقلة لمراقبة الانتخابات. أجلس بجواره. القاضي يسمح لنا بالتواجد داخل المدرسة و لكن ليس داخل الفصل الذي يحوي اللجنة الانتخابية و الصناديق.
لا بأس.
أبدأ في استطلاع محيطي. أحاول أن أمد جسور التعارف بمراقب المستقلة. بدا لي طيبا - زيادة عن اللزوم- و غير مسيس تماما. جنود و مخبرون ينتشرون خارج المدرسة و داخلها . لواء يجلس على باب اللجنة. السيدات الجالسات خلف مكتب ارشاد الناخبين من الحزب الوطني و بجوارهم أحد عناصر الشرطة. و عضو من أمانة مهنيي الحزب الوطني يجلس على يساري. أفكر أن هذا أكبر عدد من الحزب الوطني تعاملت معه. يتردد في عقلي " الحزب الواطي اللا ديموقراطي ! عايز كل الشعب يطاطي!". أنفض الجملة من عقلي ، و أحتفظ بابتسامة محايدة على وجهي.
الشاب من المستقلة يتبادل معلومات المراقبة مع سيدات الوطني ، و يتركهم يطالعون ما يكتبه. أقرر أن أكتب ملاحظاتي بالانجليزية لأتجنب تطفلهن . يقول لي مراقب المستقلة : " ايه ده يا عم! انت تبع أمريكا ولا ايه؟". أضغط على اسناني و أفكر "أحمق! المستقلة هي التي يديرها سعد الدين ابراهيم ! أنا متطوع بدون أي مليم و أنت من يتلقى مكافأة!" . أقول له - و لغيره من الوطني- أنني أكتب بالانجليزية لأنني معتاد على الانجليزية لأنني خريج طب . أي كلام طبعا.
أجلس صامتا موزعا ابتساماتي و سجائري ممتنعا عن المشاركة في الحوار الدائر سوى بهز الرأس لأستمتع بالاستماع لسيدات الوطني.
بدأت سيدات في التوافد ( حوالي 10 -20) في الساعة . غالبيتهن يحملن بطاقات ارشادية تحمل صورة حسني مبارك و يحملن كارنيه الحزب الوطني. تسلمن على سيدات الوطني الجالسات و يؤكدن لهن أنهن يؤدين واجبهن . تدخلن و تخرجن بأصابع ملوثة بالحبر. ألاحظ توافد عدد من السيدات المسيحيات. تسلمن على سيدات الوطني و تأكدن أنهن " تبع أبونا فلان" ، فتقول احدى سيدات الوطني : " أيوه ، و كمان مدام "..." متفقة مع أبونا "..." هييجي لنا 20 واحدة من الكنيسة".
ينتظرن فترة طويلة من أطلقن عليهن لفظ " وفد الكنيسة". أحتفظ بأفكاري لنفسي.
أفكر هل وجود سيدات الوطني و استخدامهن لافتة ارشاد الناخبين المحايدة و مناداتهن أي داخل للجنة ليمر عليهن أولا و قيامهن بالكشف عن أسماء أي من الناخبين في الجداول لارشادهم دون الكشف عن صفتهم الحزبية منذ البداية يعد تجاوزا؟ ألاحظ أنهن يقمن بتسجيل أسماء الناخبات و أرقام هواتفهن... (مخالفة؟)
تتحدث سيدات الوطني كثيرا عن عن مواضيع نسائية ( طرق الطبخ ، الزواج ، أسعار السلع..الخ) ثم أسمع منهن بعض الأشياء المسلية:
" معايا بطاقة ايوه. ما هما عملولنا بطايق كلنا في الشغل"
" مش هوا الريس كان ممكن يجيب حد عجوز و يحطه؟ بس هوا جاب ابنه الشاب و مسكه لجنة السياسات عشان هوا عايز شباب" ( شخرة عقلية)
يفترضن أنني معارض فينطلقن في كلام كثير عن " شعبية الحزب و تواجده في الشارع ، أين مندوبو بقية الاحزاب؟ اذا كانوا يعجزون عن توفير مندوبين ليتواجدوا في اللجان فأين شعبيتهم؟ " ، " مش ايمن نور ده اللي المنصة وقعت بيه و هوا بيتكلم" ، " نحن في الحزب لسنا شعبيين لأننا حزب الحكومة" - حاشا لله - " بل لأننا نقدم خدمات : دروس خصوصية ، مساعدة قانونية ، مساعدة طبية ، دورات انجليزي و كمبيوتر ، فرص عمل" ممتاز.. رشاو تستغل حال الناس ليخدموا من أوصلهم لحال احتياجهم هذه المساعدات.... " احنا في عصر الحرية فعلا ، لما الريس عمل مؤتمر ، كان مؤتمر شعبي، أي حد كان ممكن يدخل .... بالبطاقة و كارنيه الحزب... و يكون اسمه متسجل.... بعد ما عدينا في البوابة بتاعة الكشف عن المعدن و أخدوا منا الموبايلات... وقفت و هتفت للريس : مش كفاية ، مش كفاية ، معاك يا ريس للنهاية.. قام قال : سيبوهم يعبروا عن رأيهم... فعلا حسيت ان لو حد هتف ضده في اللحظة دي كان هيسمحله يعبر عن رأيه"
تبدأ بعض المواطنات العاديات ممن لسن من الحزب الوطني في الظهور بأعداد قليلة...
تقوم احدى سيدات الوطني بسؤال احداهن عمن سترشحه. ترفض السيدة الاجابة. تزيد الاخرى من سماجتها.تصر الأخرى على الرفض. فتقول : " يللا مش مشكلة ، خللي التاني ياخدله صوت من نفسه" . فتاة أخرى "شككن" فيها فقلن لها بعد أن اكتشفن أن اسمها في لجنة أخرى : " ابقي روحيله بقى و قوليله مش عارفة أنتخبك رئيس للجمهورية" . (مخالفة)
العدد في هذه اللجنة لا يزال قليلا جدا. بعد خمس ساعات ، حوالي مائة ناخب حضروا من أصل 4900 مسجلين في تلك اللجنة. قبل اغلاق الصناديق بثلاث ساعات عندما غادرت اللجنة آخر مرة كان العدد قد ارتفع الى 200 فقط.
سيدة تشتبك في مشادة. تتشاجر مع سيدات الوطني ثم عضو أمانة المهنيين ثم الجنود ثم رئيس اللجنة. لم تجد اسمها في هذه اللجنة على الرغم من امتلاكها بطاقة انتخابية ، و زارت من قبلها عدة لجان و قسم الشرطة الذي أرشدها بالذهاب الى هنا. " أنا بلف من صباحية ربنا في الشمس و العيل الصغير ده في ايدي ، و كل مكان يبعتني لمكان تاني" . ربما كانت هذه هي الشكوى الأكثر ترددا على لسان الناخبين و الأكثر اصابة للناخبين بالاحباط. لنشرح هنا الموضوع : أنت ناخب تذهب الى لجنة تقع بالقرب من منزلك. هناك لجان للرجال و أخرى للنساء. تصل للجنة مطابقة لجنسك. ناخبو الدائرة موزعون على اللجان حسب الحروف الأبجدية. نفترض أن اسمك محمد . آخ! آسفون ! هذه اللجنة من الالف حتى الصاد. ابحث عن اسمك في مدرسة كذا. يتطوع أولاد الحلال بوصفها لك. تمشي حتى تذهب هناك. نفترض أنك فعلا هناك. لجنة الارشاد من الوطني تبحث عن اسمك في الكشوف ( الغير مرتبة أبجديا!) ، ثم تحدد لك أي لجنة فرعية تتبعها داخل اللجنة. مبروك وصلت. المشاكل ؟ اشتكى البعض من أنهم يرسلونه من مكان الى مكان دون أن يجد اسمه. البعض اسمه مختلف عن الاسم المسجل. البعض رقمه غير الرقم المسجل. البعض ساقط قيد. هناك متوفون داخل الجداول. و ان كان هناك الكثير ممن انتخبوا دون مشاكل أيضا. ( عقم و تخبط )
من له حق الانتخاب؟
من يملك حق الانتخاب هو المسجل في الجداول الانتخابية. من يسجل في الجداول الانتخابية؟ كل من قام باستخراج بطاقة انتخابية من قبل. و قالوا أن مواليد 84-85-86 قد أضيفوا تلقائيا الى الجداول. لذلك لتنتخب عليك أن تحضر بطاقتك الانتخابية و تنتخب بها اما في اللجنة التي أنت مسجل بها أو في لجنة أخرى كوافد ان كنت في محافظة أخرى ، فان لم تكن معك فعليك أن تستخدم بطاقتك الشخصية و تنتخب في اللجنة التي أنت مسجل بها بعد أن تنجح في العثور على اسمك في الجدول.
هذا بصورة تقريبية....
لأن أكثر ما ميز هذه الانتخابات هي التفاوت بين اللجان. بل و التفاوت في اللجنة ذاتها باختلاف الوقت.
فتاة صغيرة تقول أنها تريد أن تنتخب ببطاقتها الشخصية لأنها مسجلة تلقائيا لأنها من مواليد 85. أعتقد أن سيدات الوطني قررن أنها لا يبدو عليها سمات "الموالاة" فقررن أن لا يرهقن انفسهن كما يفعلن مع نسوتهن ، فقالوا لها : "لا ! مفيش ! مينفعش!" ( مخالفة)
أتدخل و أقول للفتاة ان تبحث عن اسمها بنفسها حتى تجده. تيأس من البحث وسط آلاف الأسماء و تنصرف بعد فترة.
أترك هذه اللجنة و أنتقل للأخرى.
كنت قد أنهيت كتابة هذا الجزء و جزء من خاتمة التدوينة ، ثم شاهدت اعلان النتيجة فادركت أن الاكتئاب لن يمكنني من اكمال الكتابة .. على الأقل ليس اليوم.. فقررت نشره و انهاؤه لاحقا.
أحاول الاتصال بعلاء.أريد الاطمئنان على المظاهرة. لكن علاء ساعتها كان مشغولا فلم يجب. ( اقرأ ما كتبه علاء عن ذلك اليوم)
أتصل برحاب . تخبرني أنها دخلت داخل لجنتها و تجلس مع القاضي ، و أنها رأت الكثير من التجاوزات.( اقرأ ما كتبته رحاب عن ذلك اليوم)
يتصل بي عمرو. يحكي لي عن 3000 متظاهر في مسيرة في وسط البلد . يقول لي أنه كان يقفز من السعادة عوضا عن المشي في الشارع. آخ! يالحظي الزفت! دائما ما تفوتني مثل هذه الفرص. ثم يقول لي " بس جرينا من العتبة لحد نقابة الصحفيين". ( اقرأ ما كتبه عمرو عن ذلك اليوم)
أتصل بهيثم ، يبدو لي سعيدا رغم أن التجاوزات في لجنته أكبر من لجنتي. ( اقرأ ما كتبه هيثم عن ذلك اليوم)
يتصل بي هيثم في اليوم التالي و نشتبك في مناقشة حادة. سعيد هو باختفاء استبدال الأوراق أو تقفيل الصناديق. أقول له ما فائدة ذلك اذا كنت ستشحن الناس شحنا الى اللجان و ترشيهم و تخوفهم و تجبرهم و تحرمهم من التصويت السري. أليست النتيجة واحدة؟ ما فائدة عد الأوراق بنزاهة اذا كنت تحكمت فيمن يكتبون آراءهم في هذه الأوراق؟ ما فائدة كل ذلك اذا كنت تختار منافسيك و تحدد طرق دعايتهم و مدى دعايتك كما رصدت تقارير المراقبة؟ أليست النتيجة فوزأ زائفا في شيئ ما لا يمكن تسميته بانتخابات تنافسية حقيقية ؟ ما الفرق بين مبارك ببدلة كاملة و بين مبارك بجرافتة من غير جاكيت؟ يصر على التفاؤل و أصر على اثبات رأيي بأنها مسرحية هزلية منذ بدايتها و حتى نهايتها. لا عنف و لا انتهاكات جسدية و لكن ذلك سببه غياب القوة التنافسية. الأمل موجود في من تحرك و من اهتم من الشعب و في المستقبل و في تحسين الرقابة و دعم استقلال القضاء و ليس في أنهم غيروا الطرق التي ناوروا بها ليضمنوا فوز الجنرال العجوز عندما ووجهوا برقابة قضائية.
الجمعة، سبتمبر ٠٩، ٢٠٠٥
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك ٦ تعليقات:
تصحيح صغير يا محمد...أنا ما دخلتش اللجنة...زمايلي هم اللي دخلوا...على بال ما رحت ما كانش في فرصة اقعد مع القاضي
Check out this:
http://freedomforegyptians.blogspot.com/2005/09/you-guys-rock-in-italianpeace-reporter.html
وضح جدا تأ ثير المال السياسى فى الانتخابات كانت ظاهرة جدا فى الحملة الانتخابية من التمويل الرهيب لحملة حسنى بالاضافة
بالاضافة الى الانتخابات نفسها وضح ان اصوات مبارك ما بين اصوات اموات للعلم وجدت صوت جدى فى الانتخابات واصوات عمال وموظفين غلابه تم شحنهم فى عربات لينتخبوا مبارك هذه العمليه تحدث عنها اغلب من راقبوا الانتخابات وخصوصا فى الريف والاقاليم
Mohammed, may I ask how were you able to be that "مراقب مستقل"?
ايمان
كان في يوم الاتنين قبل الانتخابات لقاء من حد من المرصد الانتخابي مع الشباب اللي عايزين يتطوعوا كمراقبين
علاء حط اعلان في موقعه و أنا رحت
اتشرحلنا نعمل ايه و وزعنا بعض على الدواير و بس!
اللجنة المستقلة نشرت اعلان في الجرايد عن طلبها شباب كمراقبين من قبل الانتخابات باسبوعين و حطوا نمر تليفونات للي عايز ينضم ليهم..
بس!
this is just a general comment: do not lose your momentum after the elections! you want to keep the people informed, and with knowledge comes change, hopefully a few years down the road.
إرسال تعليق