الاثنين، يونيو ٢٧، ٢٠٠٥

في لاظوغلي

ستكون تغطية مظاهرة لاظوغلي مختلفة قليلا
اذ ستخلو من الصور
فضلا عن أن الوصف سيبدأ من عند نهاية المظاهرة ، لأعود الى المظاهرة ذاتها في وقت لاحق


***********


انتهت المظاهرة و بدأ المشاركون في المغادرة ، أمشي مع مصطفى ، نسمع حسين عبد الغني مدير مكتب الجزيرة في القاهرة يتحدث في الهاتف : " ايوه يا سعادة الباشا ، المظاهرة جنب وزارة الداخلية مظهر حضاري طبعا..... و طبعا حضرتك عارف المكانة العالمية للمحطة و تأثيرها" ، أتبادل أنا و مصطفى النظرات و يقول لي : " he's strucking a dirty deal!" نعبر الى الجانب الآخر من ميدان لاظوغلي ، يشير لنا عمرو أن نقترب. حاجز أمني يغلق ذلك الشارع الذي يضم وزارتي الداخلية و العدل. تشتبك د.ليلى سويف - من حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات- في نقاش حاد مع رجال الأمن في ملابس الشرطة البيضاء و في الملابس العادية من مباحث أمن الدولة مصممة على المغادرة من ذلك الشارع. يزداد التوتر عندما يقول سيف الاسلام حمد - مدير مركز هشام مبارك للقانون- أنه شاهد شخصا يتعرض للاعتقال في نهاية ذلك الشارع ، يدفع علاء رجال الأمن و جنود الامن المركزي محاولا العبور ، صراخ و تدافع ، يدفع مخبر علاء في صدره فيصرخ علاء : "متزقنيش" و يدفعه بدوره ليسقط المخبر أرضا ، أبدأ في تصوير ذلك التدافع و عندها يقترب مني أحد عناصر أمن الدولة و يضع يده على الكاميرا و يجذبها للاسفل بمعنى توقف عن التصوير... يقول لواء شرطة أن أحدا لن يتعرض للاعتقال و يعد بذلك ... كانت مصورة صحفية تحمل كاميرا فيديو تقف الى جواري و صحفي أجنبي آخر... سينصرفان بعد ثوان و بذلك لن يتبقى أي من الاعلاميين..

مزيد من الشد و الجذب ، و أشاهد مخبرا يدعي أن عمرو تسبب في جرحه و اسالة دمه و أنه "مواطن عادي" و " حرام عليك كده".... تجذب عناصر الأمن في ملابس عادية عمرو الى اليسار ... أتجه ناحيته و أخلصه من أيديهم بمساعدة منال... أبحث عن أحمد لأفاجئ به يُدفع جهة اليمين و يصيحون فيه : " امش من هنا" و يتبادل الجدال و الدفع مع من يمسكون به.... يمسك عناصر في ملابس عادية بعمرو من جديد ، أحدهم يحيطه بذراعيه و آخر يضع يده حول رقبته و آخر يدفعه من الخلف ، أطاردهم في الشارع الأيمن و ألتقط عددا من الصور لذلك المشهد... يمد أحدهم يده ناحية الكاميرا فأتفاداه.. يدفعونني قليلا... ثم يحيطني خمسة منهم و يقولون : "هناخد الكاميرا"... أصرخ :"لأ".... ألف حبل الكاميرا حول معصمي و أتمسك بها بينما يجذبونها مني... أصرخ محاولا لفت انتباه من يقفون عند الميدان : " سيبوني... سيبوني يا ولاد ال..."... لم أكمل السباب ، و غلبني رفضي لاستخدام السباب في السياسة.... الأمر السوريالي بالفعل هو أن أحدهم قال لي بتقوى عندما سمع لفظة ولاد ال.. غير المكتملة - و هو و زملاؤه يمسكون بي ، و نحن جميعا نتصارع على الكاميرا- : " لأ ، عيب كده".... بينما أكتب الآن أجد أنه كان علي أن أفعل أشياء مختلفة في ذلك الموقف ، و لكن أثناءه توقف عقلي عن العمل تماما ، أصبح خاليا و كنت أتصرف برد الفعل فقط... تمزق الحبل و حصلوا على الكاميرا ، و بدأ أحدهم في دفعي في ظهري بعيدا و توجيه الركلات لي لما يقارب دقيقة ... دفعني بعيدا باتجاه نهاية الشارع مشيعا بالدفع و "الشلاليت" و السباب الموجه لي و لأهلي...

يظهر علاء و يسألني عن الذي حدث فأخبره ، يمسك محام بيدي و يسألني : " تعرف تطلع مين اللي خد الكاميرا؟" أجيبه بنعم ، نعود الى المكان فلا نجدهم ، اقابل مصطفى الذي قال لي أنه كان يقف خلفي و عندما بدؤوا في مهاجمتي فوجئ بمن يخطف الكاميرا من يده و أحاط به عدد من رجال الأمن في ملابس عادية - و احدهم يمسك لاسلكي- و قاموا بضربه...

نظالبهم باعادة الكاميرات ، و لكنهم يقولون :" الكاميرات راحت خلاص"... تصر د.ليلى على المشي من شارع وزارة الداخلية...يقول اللواء الذي ظهر على صورة "حاكموه" : "كبر دماغك يا علاء" مطالبا اياه بأن يغادر من طريق آخر.. يفتحون ذلك الشارع لمرور العربات و يحاصرنا الجنود في دائرة كاملة قطرها حوالي ثلاثة امتار.... سنبقى في داخل ذلك الحصار لما يقارب الساعة... نجلس على الرصيف و أجلس بجوار مصطفى و عقلي لا يزال عاجزا عن التفكير.... أرغب في أن ينتهي الموقف و أن أختلي بنفسي لأستعيد صفاء ذهني... أظل صامتا بينما يتناقش من في داخل الدائرة مع عناصر الأمن خارجها الذين يقولون: " مش وصلتوا الرسالة خلاص ، لازم تمشوا من الشارع ده؟" ، " احنا مش ضدكم يا جماعة" ... و وصل الأمر للسوريالية من جديد عندما تناقش الجانبان عن الديموقراطية والانتخابات الرئاسية المقبلة... أثناء المناقشة ، وعندما سُئِلوا عن الكاميرات ، قال أحدهم مبتسما ابتسامة عريضة نصف متخابثة نصف ساخرة: "عادي ، تعالوا القسم ، و اعملوا محضر و نوريكم صور المسجلين خطر " يقول مصطفى أنهم كانوا يمسكون بلاسلكي فيقول : " و ماله ؟ ممكن نصابين و منتحلين شخصية؟"
يجري من في داخل الدائرة العديد من الاتصالات التليفونية... يلفت مصطفى نظري الى ضابط شاب في ملابس الشرطة يلتقط صورا لنا بكاميرا صغيرة... لا أظن ان التقاطه الصور كان مرتبطا بعمله ، فمن يقوم بذلك عادة آخرون في ملابس مدنية .... فكرت أنه يلتقط الصور ليريها لخطيبته :" شايفة يا حياتي ازاي محاصر القلة المندسة؟"

يصل عدد من أعضاء كفاية الذين كانوا قد غادروا الى النقابة بعد الاتصال بهم... قوبلوا بتنهدات "أخيرا".... يوافق الامن على أن نغادر من ذلك الشارع بشرط أن لا نرفع اللافتات ... لم يقبلوا أبدا فكرة رفع لافتة " أقيلوه" فوق صورة وزير الداخلية العادلي أمام مبنى وزارتهم..

نمشي ، و بعد عدة دقائق نقرر أن نفترق ، يقول المحامي الشاب : " يا جماعة شوفوا انتم رايحين فين ، عشان أنا المحامي الوحيد فيكم و مقدرش أسيبكم" نؤكد له أننا سنغادر و ان اليوم انتهى... أمشي أنا و مصطفى... نتساند سويا...أحاول أن أبحث عن سبب لعدم ردي ضرباتهم... المفاجاة؟ عدم الاعتياد؟ أنني لم أشترك في مشاجرة منذ أن كنت طفلا؟ الخوف؟ ظني أنهم سيتوقفون عن الضرب اذا لم أقاوم؟ ربما تعجبي من أنهم يستهدفونني مع أنني كنت على طرف المشهد أصور و أراقب؟

نصل نقابة الصحفيين و نتجاهل المتظاهرين على السلالم و جحافل الأمن المحيطة، ندخل النقابة.. أجلس بجوار مصطفى في صمت.. يقول لي : " عارف ، هما أقويا قوي" .. أساله: " بدنيا؟" يقول :" لأ ، أقويا علينا" أؤيده : " بيتصرفوا كأن عندهم كل القوة" يقول لي:" مش بيتصرفوا و بس ،هما فعلا كده، يعني هما يقدروا يعملوا أي حاجة ، ممكن يعملوا اللي هما عايزينه فينا"

أحدث مصطفى عن شعوري بالاهانة ، و أنني للمرة الأولى في حياتي أعامل كشيئ معدوم القيمة...

ينصرف مصطفى ، و أبقى جالسا ، لا زلت عاجزا عن التفكير....

بعد قليل صعدت الى الدور الرابع حيث عقدوا مؤتمرا ضد التعذيب ... على الباب كانوا يوزعون أوراقا و كتيبات عن التعذيب..

على المنصة جلس محمد عبد القدوس و كمال خليل و سيف الاسلام حمد..

بدأ محمد عبد القدوس الحديث ، و تلاه كمال خليل ... على الرغم من أنني لم أكن في أفضل حالاتي لاحظت على الفور الكاريزمية الطاغية لكمال خليل، و الذي تحدث - و هو مدير مركز الدراسات الاشتراكية- بصورة أساسية و مطولة عن التعذيب الذي يتعرض له الاسلاميون ، راويا حكايات عن اعتقال الأشخاص بتهمة وحيدة هي تدينهم أو حرصهم على اداء الصلاة في الجامع... و حكى حكاية "طريفة" عن حلاق يقص له شعره في السجن و هو يدخن، فسأله عن سبب وجوده ، فأجاب الحلاق :" جماعة اسلامية ، عشر سنين حبس احتياطي"، فقال له كمال: " ازاي جماعة اسلامية و بتدخن؟" قال له: " انا لا جماعة اسلامية و لا حاجة ، كان في راجل عامل عقيقة " سبوع اسلامي" ، رحت عشان آكل ، و من ساعتها و أنا هنا"

انصرفت عاجزا عن مواصلة الاستماع ، و صعدت الى الطابق الاخير بالنقابة ( مطعم و كافيتيريا) ، و جلست محاولا تصفية ذهني ، كان هناك من يعزف على العود ، فأغلقت عينيَّ و استمعت له... كانوا يقيمون حفلة صغيرة للكاتب الناصري محمد عودة بمناسبة حصوله على جائزة تقديرية... و كان معظم طاقم جريدة العربي الناصرية موجودا....


أفكر أنني تعرضت للضرب و الاهانة و السرقة في قلب القاهرة في وضح النهار أمام مبنى وزارة "العدل" و مبنى وزارة " الداخلية"... و الطريف أن ذلك تم على يد رجال الأمن...


أشعر بالضعف و الاذلال ، و أفكر انني لا يجب أن أشعر بذلك لأن ما حدث لي كان بسيطا مقارنة بما حدث للفتيات في 25 مايو ، او بما يحدث في السجون و اقسام الشرطة... و لكنني لا أنجح في التخلص من ذلك الشعور...

أغادر و أعود للمنزل ، أحاول النوم فأفشل ، و كلما أغلقت عيني أشاهد ما حدث لي مرة أخرى ....

أحاول أن أقرأ و لكن عقلي يعجز عن ايصال الكلمات ببعضها لتكوين الجمل ... أتناول الطعام فيبعث فيَّ شعورا بالغثيان...

بعد ساعات... أنام..

هناك ١٢ تعليقًا:

Catherine يقول...

Sorry for hearing that..But I think this is something very big happening in an arab country. Very important.
There's some media coverage in Alquds alarabi front page.
And here, that soundes scary, if it's true: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/89AE06D5-80AF-4940-8F8C-F0BBBF3F6AD3.htm

Samer ATALLAH يقول...

hamdelah 3ala el salama.

ibn_abdel_aziz يقول...

ربنا يحفظك يا محمد

معندكش خبرة بس :)

انا مرة خدت بالحزام علي وشي ولازلت اذكر اليوم اللي حاوطني فيه تلات مخبرين زي العجول وضابط شركة تركهم يتناوشوني وهو لا يفعل شئ ...بس ايه ؟ :)
مخرجوش سلام الحمد لله ...الكونج فو بينفع برضك

افضل شئ في التجربة دي ..انك " دقت " معني جديد ...اتركه يختمر وينضج ..ولا تجعله يقودك او يسوقك ...وتجهز لما بعد هذا ان شاء الله

علي فكرة منير بيدور عليك ابقي اديلو الووو

Omar Mostafa يقول...

أعرف ألم ووجع التجربة رغم اني لم أعشها، والحقيقة أني لا أتمنى أن أعشها، رغم سهولة وعبثية التورط في أى لحظة. ورغم شرف المعاناة ونبل الألم، لكنها تجربة لا أضمن كيف سأكون بعدها..
محمد، ربما لم تتمنى أن يحدث هذا، أو ربما تمنتيت ألا يحدث، لكنه حدث، وأملي أن تدرك الآن أنك أقوى، أنك أقرب، أنك قبلي وقبل كثيرين في الوصول إلى حيث نتمنى
لا أواسيك، ولكن أحييك وأشد على يدك، هوّن عليك يا بطل، فغداً لنا إن شاء الله

Khalid يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
Khalid يقول...

t3eesh o takol `3erha ya ba6al:)
7amdilla 3a salamtak awwalan.
you know what?
i really can see that the empire of irhab il 2amn fi ma9r is going down, at least this is the beginning of the end inshalla.
anyways, kaffara min il thonoob inshalla, o medal of honour, and i dont mean the game by that:P

ألِف يقول...

ولا يهمك يا جامد
الضرب للمتظاهرين (زي السجن للجدعانين :)

ما يغيظني من فترة هو أن قناة الجزيرة أصبحت تذيع أخبار المظاهرات على مضض و باقتضاب شديد منذ إشاعة زيارة أسامة الباز إلى قطر، و حذت حذوها العربية. أوغاد.
لسبب ما، لم أشعر بالراحة تجاه صحفي الجزيرة المتأنق الذي شهدت تسجيله فقرته في معمعة المظاهرة. و الآن تخبرني أنه متآلف مع الباشوات!

غير معرف يقول...

مذيعي الجزيرة متآلفين مع الباشوات منذ وقت طويل..لم أسمع بخصوصهم شيئا جديدا اليوم..

شباب..أعتقد أنا تظاهرنا طويلا..لكن لو استمر الحال على هذا الوضع فإننا لن نجني تكاليف ما نفعل (على الأقل!)

The Sandmonkey يقول...

Hiyah dih masr ya 3ablah

Take care yabni!

غير معرف يقول...

أعتقد أن أوضح درس يجب أن تخرج به يعد ما حدث معك هو " إن الضربات التى لا تقصم ظهرك تقويك "
درس آخر دائما نقوله لأخواننا المتحمسين جدا هو أياكم والدخول فى مناوشات أو نقاشات مع رجال الأمن فهذا مضيعة للوقت والجهد
درس أخير أحرصوا دائما يا أخوة خاصة فى المظاهرات التى تشوبها توترات أحرصوا على الأنصراف فى جماعات وفى هدوء حتى لا يستفرد الأنذال بكم منفردين ويخلصون ما يتصورنه حقهم
تعيش وتاخد غيرها يا بطل وفداك ألف كاميرا

Tara يقول...

دير بالك على روحك يا محمد

Mohammed يقول...

شكرا لكم جميعا على دعمكم و كلماتكم
كلماتكم عنت لي الكثير فعلا