الأحد، سبتمبر ١٨، ٢٠٠٥

العناد و الاستجابة : رئيسنا اللا ديموقراطي

"من بين ما نعرفه عن الرئيس مبارك أنه عنيد ، و نعرف أيضا أن عناده كان سببا في التحول عن خطوات كان قد قررها ، لا لشيئ ، إلا أن شيئا منها قد تسرب إلى الرأي العام و وسائل الإعلام ، فلم يعد يتوفر فيها عنصر المفاجأة من جانبه.. و قد حدث كثيرا أن مسؤولا كبيرا ، أو صغيرا ، تعرض لهجوم حاد و متواصل من الصحافة ، و كان قطاع عريض من الناس يضيق بهذا المسؤول ، أو ذاك ، و لا يطيقه...و لكنه كان رغم ذلك ، يظل في موقعه.. فما يتوقعه المصريون في الغالب ، لا يفعله الرئيس ، و يحب دائما أن يكون زمام المبادرة في هذا الإطار تحديدا ، في يديه... حتى قيل كثيرا إنك لو أردت أن تطيح بمسؤول ما ، فما عليك الا أن تكثف امتداحه في الصحف ، و أن تجعل كثيرين يتغزلوا فيه و في مزاياه." *

بغض النظر عن السلطات الامبراطورية التي تقع في يدي رئيس جمهوريتنا ، و غياب الديموقراطية عن تلك الجمهورية ، فإنه بصورة شخصية يحب ألا يستمع الى صوت شعبه. لا معارضة و لا رأي عام.

ربما لم تكن سفالة مصطفى حسين بعيدة تماما عن الهدف: عندما رسم كاريكاتير في خلفيته أصوات نباح ، و علق: دول ناس شافوا حبة ديموقراطية اتسعروا.

عناد الرئيس و حرصه على أن يتحدى آراء شعبه لاثبات سلطته أو لدوافع شخصية ، جعل من أي حرية تعبير مجرد حرية نباح ، و أرسى قواعد السلبية و اليأس من الحكومة التي لا تستجيب.

تبدت لي بضع علامات تغير طفيف في هذا الموقف. فرغم مناورات و ضغوط و محاولات تملص و ترغيب و ترهيب ، استجابت الحكومة نسبيا لضغط القضاة محققة عددا من مطالبهم و واعدة بتنفيذ مطلبهم باصدار قانون استقلال السلطة القضائية. و أثناء الحملة الانتخابية و رغم هزليتها ، فان انتقادات المعارضة سرعان ما كان يظهر تأثيرها بتصريحات و خطوات دفاعية من حملة الرئيس.

أشياء صغيرة للغاية. لكنها بعثت فيَّ الأمل . لا في أن تتغير عقلية الرئيس فذلك صعب أن يحدث في سنه هذا. بل أن يكون قد قام بحساب الربح و الخسارة و قرر تنفيذ جزء من المطالب . حكومة مستجيبة خير من حكومة معاندة. الانتصارات الصغيرة تزيد من الأمل في فائدة الكلام و الكتابة و العمل ، بدلا من شعور النباح و ضرب الرأس في الصخر.


استجابة الرئيس بالطبع تعني أشياء كثيرة و كبيرة و لا أتوقعها منه، الا أنني أتحدث هنا عن ابقاءه على وجوه فاشلة و مكروهة و تشكل عبئا عليه لا لشيئ الا للعناد و عدم الرضوخ لرغبات شعبه.


قدم فاروق حسني وزير الثقافة استقالته ، فشعرت بالسعادة. لا لأنني أرى أن استقالته هي الحل الأمثل لحريق بني سويف ، و لكن لأن رحيل وزير قضى ما يقرب العشرين عاما في وزارته أمر يبعث على السعادة دائما ، فضلا عن أنني تصورت أن حساب الربح و الخسارة قد تم من جديد ، فقرر الرئيس القاء فاروق حسني للكلاب ليصمتوا ، و هو أمر مذهل أن يستجيب الرئيس لضغط و غضب شعبي. يعني ذلك أن ما نقوم به قد يكون له تأثير ، و أنه قد يكون هناك نوع من التوازن في الحياة السياسية.

كنت متفائلا زيادة عن اللزوم ... كالعادة....

قدم فاروق حسني استقالته ليفدي النظام بنفسه و يوجه الانتقادات جهته بعيدا عن النظام ، و رد النظام الجميل بأحسن منه ، فرفض الاستقالة و بقي حسني في منصبه ، و بقي حسني على ما هو عليه.

* من مقال سليمان جودة - العدد 460 - المصري اليوم

هناك ١٠ تعليقات:

Ramy يقول...

هيّا نطالب ببقاء وزير الداخليّة في منصبه.
بل بترقيته نائباً (أو مساعداً) للرئيس...
ـ

Omar Mostafa يقول...

لا أتهم أحدهم بالتفاؤل، لكن الأمر كان تمثيلية سخيفة من البداية، استقالة ايه في مصر؟ ممكن مصر نفسها تستقيل، لكن هم؟ أشك، أشك جداً

AG يقول...

كيف تقول ما فيش فايدة؟ ألم يصلك حديث الميكروباص: "وكنسنا عليهم السيدة، ولا نافع كدة ولا كدة"?

Mohammed يقول...

لم أفهم ما تقصده يا صاحب الأشجار؟

Mohamed يقول...

كنت سعيدا لنفس سبب سعادتك. و لكن واضح أنه ليس هناك أمل فى تغيير العقليات بدون تغيير الأشخاص

African Doctor يقول...

أظن يا محمد أن حسني يلاعب حسني
و أن رفض الاستقالة لأن فاروق فعلها دون إذن الرئيس، و عند مبارك لا أحد يستقيل و لكن يُقال. لذا رفض الاستقالة عناداً فيه بعد أن اكتنفه الغموض يومان، و أتوقع أن يطيح به في التعديل الوزاري عقب أداء اليمين

عندي تفسير آخر، و هو نظرية الكاموفلاج أو شغل الرأي العام في قضية فرعية حتى يلهيهم عن الأساس. المسئول الأساسي في موضوع الحريق مصطفى علوي من لجنة السياسات التي لا يُقترب من أعضائها إلا بإذن، و لا مانع من شغل الناس عن الحقيقة باستقالة وهمية و مناقشات جدلية بين المثقفين، يتسلون بها و يتسلى الجمهور معهم. بينما السياسات العليا تُنفّذ بهدوء. نشأ هذا التفسير عندي منذ حادثة وفاء قسطنطين و تزامنها مع التوقيع المختَلَس لاتفاقية الكويز و أظن أن نظام مبارك يلجأ لهذه الحركة في كثير من الأحيان

R يقول...

أتّفق مع أفريقانو في أنّ فاروق حسني ليس مسئولاً بشكل أو بآخر، وأميل لتصديق تفسيره عن كون استقالة فاروق حقيقيّة لا تمثيليّة.

لا أعرف ما مسئوليّة مصطفى علوي، لكنّني أسألكُم جميعاً: ما هي احتياطات مقاومة الحريق في أماكن اجتماعاتكم؟

Mohammed يقول...

أفريكانو
اذا كان مصطفى علوي من لجنة السياسات ، فان فاروق حسني يشاع عنه أنه من الوزراء التابعين للست

African Doctor يقول...

هذا يطرح السؤال بالتبعية: أيهما أكثر قوة الآن الأم أم الابن؟

غير معرف يقول...

تصوري لاستقالة فاروق حسني كان مختلفا: فقد سرت إشاعات منذ فترة عن أن فاروق كان سيخرج في أول تعديل وزاري بعد الانتخابات، و هذه الإشاعات شاعت قبل حريق بني سويف، لذلك عندما حدث الحريق كانت استقالة فاروق حركة موفقة: فمن ناحية سيظهر أنه فعل ما لم يفعله وزير سابق و هو تحمله من نفسه أخطاء الجهاز الإداري الذي [يفترض أنه] يرأسه، و في نفس الوقت إذا ما قبلت استقالته يكون قد خرج من اللعبة بنفسه بدلا من أن يطرد.

لكني أتفق مع باقي التفسير الذي يقضي بأنه لا أحد يستقيل بمزاجه، و أن رأس النظام يعتبرها إهانة و خروجا عن طوعه.

ما لا أفهمه هم كيف يمكن رفض استقالة!
الاستقاله على ما أعرف هي إخطار بترك العمل ليس أكثر. الاستقالة المسببة قد يكون لها أثر قانوني في موضوع مستحقات الموظف بعد الاستقالة و ذلك في مقابل آخر ترك العمل و مضى، لكن لا أفهم كيف يمكن إجبار موظف على مواصلة عمله رغما عنه!! بل إن هذا إن كان بديهيا في الوظائف العادية، فإنه يكون أكثر من البديهي© في المناصب السياسية!

أرجو أن يشرح لي أحد ما غمض علي في هذا الشأن، قانونا إن وجد مبرر، و ليس نفسيا و سياسيا، فهذا أفهمه.