الثلاثاء، سبتمبر ٢٧، ٢٠٠٥

ملاحظات على هامش مشهد المظاهرات المصرية

هذا مقال قديم كتبته منذ ما يزيد على الشهر ، كان من المفترض أن ينشر في مكان آخر ، و لم ينشر ، ثم في مكان آخر ، و لكنه كان سيئ الحظ ، فقررت أن أضعه هنا حتى بعد أن تجاوزته الأحداث.

النخبوية
المكون الأساسي لجمهور المظاهرات الحالية هم المثقفون و النشطاء السياسيون ، مع غياب قد يكون كاملا للمواطنين العاديين . يعود هذا - في اعتقادي- نتيجة بدء حركة الاحتجاج الحالية كحركة مثقفين بالصورة الاولى وقعوا على بيانهم المطالب بالاصلاح ، فضلا عن معاناة حركات المعارضة من مشاكل حقيقية في التواصل مع الجمهور ، و تراث الجمود السياسي و سنين من "المشي جنب الحيط" و اليأس و الخوف - خاصة مع جرأة مطالب الحركات المعارضة- حيث أنه على الرغم من سماح الأمن بالتظاهر فانه يحرص على التواجد بكثافة قد تبلغ عشرات أضعاف المتظاهرين جاعلا الدخول الى المظاهرة المحاصرة أمرا مخيفا للمواطن العادي. في بعض الاحيان يشارك بعض المواطنين العاديين الذين وصلوا درجة الانفجار نتيجة تعرضهم و بصورة شخصية لظلم فادح تجعلهم لا يهتمون بالعواقب التي يحفظها المصريون عن التعاطي مع السياسة ، كأم فقدت ابنها أو زوجة فقدت زوجها. يرحب المتظاهرون بهؤلاء الأشخاص و يحرصون على ابرازهم للاعلام كوجه شعبي للحركة.
عمل مجموعة من النشطاء المستقلين و الحملة الشعبية من أجل التغيير و شباب من اجل التغيير و حزب العمل الى القيام بمظاهرة أسبوعية في أحياء شعبية ( السيدة زينب ، شبرا ، الزيتون ، امبابة) للتواصل مع جمهور مختلف. و هي خطوة أولى - بغض النظر عن مدى نجاحها في استقطاب جماهير تلك الأحياء و دفعها للمشاركة- في الخطو نحو الجانب الشعبي الذي يكاد يكون غائبا في بقية المظاهرات.


موزاييك
تنطبع المظاهرات المصرية الحالية بطابع تعددي واضح ، متأثرة بالتنوع الذي ميز الاعلان الاول للحركة المصرية من أجل التغيير(كفاية) الذي حمل توقيع مثقفين و شخصيات عامة من مختلف الاتجاهات ، و أصبح بعده الطابع التجميعي هو رمز المرحلة : تحالف أحزاب المعارضة الرئيسية الثلاثة ( الناصري ، التجمع اليساري ، الوفد الليبرالي ) ، التحالف الوطني من اجل الاصلاح ( الاسلاميون و بعض الشخصيات العامة المسيحية و الاشتراكيون الثوريون). و بالتالي جاءت المظاهرات الحالية تحمل شكل الموزاييك : اللون البرتقالي المميز لحزب الغد الليبرالي ، و بجانبه الأحمر المرفوع على علم يحمل صورة جيفارا و منجلا و مطرقة ، و بجوارهما شعارات اسلامية يرفعها اسلاميو حزب العمل الاسلامي الراديكالي ، وشعارات الحملة الشعبية من اجل التغيير يسارية التوجه ، و مع هذا كله اللون الأصفر لكفاية التجميعية. ترى في المظاهرات نساء سافرات بجوار نساء منقبات و أخريات ترتدين الخمار أو الحجاب العصري الملون . يساري يقود الهتافات يتلوه آخر اسلامي ثم ناشط مسيحي. حتى المظاهرات ذاتها و على الرغم من أن الاعلام ينسبها لحركة واحدة (كفاية) - حتى و ان كانت حركة تجميعية- فانها عادة ما تخرج نتيجة مشاركة متظاهرين من كل الحركات السابقة. قد يكون جديرا بالملاحظة هنا مشهد في احدى المظاهرات التي اعتاد الحزب الوطني تنظيمها في مواجهة مظاهرات المعارضة . عندما رفع متظاهرو الوطني لافتاتهم ، كانت اللافتات متماثلة في كل شيئ: الحجم و كل التفاصيل : ذات الصورة المستخدمة للرئيس المصري مبارك ، و ذات العبارة المطبوعة أسفل الصورة بحروف حمراء كبيرة : نعم لمبارك.

فتح الباب
أعادت مظاهرات المعارضة خلال الشهور الستة الأخيرة انتزاع حق التظاهر من جديد ، بعد أن تم لسنوات حصر التظاهر و الاحتجاج داخل أسوار الجامعة أو في باحة الجامع الازهر بعد صلاة الجمعة ، و حصره بالتضامن مع قضايا فلسطين و العراق دون أن يعبر الى القضايا الداخلية. بغض النظر عن مطالب و تظاهرات المعارضة المصرية ، فان هذه المساحة التي تم اكتسابها سوف تسمح لأشخاص آخرين باستغلالها لايصال أصواتهم الاحتجاجية على قضايا تهمهم. في هذا الاطار أنظر على سبيل المثال للحركة الاحتجاجية لنساء معتقلي وادي النطرون ، و لمظاهرات المدرسين المعينين بعقود مؤقتة بمحافظة الدقهلية احتجاجا على عدم تجديد عقودهم ، و العاملين بمصر للطيران احتجاجا على أجورهم.

الممنوع يرفع صوته
يلاحظ في المظاهرات الحالية غياب كبير للقوى السياسية التقليدية ممثلة في الأحزاب "الشرعية". يمكن ان يعزى هذا الى ضعفها أو شيخوختها أو حتى امتلاكها برامج مختلفة تتضمن توافقات ما مع النظام ، في مقابل حيوية و جاذبية الحركات الجديدة. و لكن هناك أحزابا لا تتمتع بصفة الشرعية و تعاني من القدم و الضعف و غياب الجاذبية و قلة الكوادر كحزب العمل المجمد و الحزب الشيوعي المصري الضئيل للغاية تتواجد بصورة مستمرة بالمظاهرات ، مستغلة الفرصة لايصال صوتها الذي لا تملك وسيلة أخرى لايصاله.

الاعلام يحب المظاهرات و المظاهرات تحب الاعلام
يتواجد الاعلاميون بكثرة في المظاهرات المصرية الأخيرة ، بل في بعض المظاهرات صغيرة الحجم قد يصل عدد الاعلاميين الى 10% من المتواجدين! يجد الاعلاميون في المظاهرات مادة مناسبة لتغطيتها ، و يحرص المتظاهرون بدورهم على استغلال الاعلام لايصال رسالتهم - و الذي و ان لم يكن موجودا لن تصل تقريبا لأي شخص ، لأن السماح بسير المظاهرات و تحولها الى مسيرات لا يزال خطا أحمر للأمن- مقدمين لهم مادة جديدة كل مرة و صورا جذابة و لافتات و شعارات مثيرة. التسويق الاعلامي الذكي ربما يكون مميزا لحركة المعارضة بأكملها اذ تحرص على وجود شعار لها و ألوان و كلمات قليلة لها يسهل تمييزها . يعتبر المتظاهرون الاعلام حماية لهم ، حيث استغل الأمن غياب الاعلام بعد انتهاء المظاهرات عدة مرات للاعتداء على نشطاء ، و عندما حدث اعتداء في 25 مايو 2005 مع تواجد اعلامي كانت فضيحة للنظام بأكمله.

الفردية
من الصعب وصف أي مظاهرة بالفردية نتيجة طبيعة فعل التظاهر الجماعي ذاته ، الا أن المظاهرات المصرية الحالية يتمتع المشاركون فيها بدرجة عالية من الفردية ، فيمتنع بعض المشاركين عن ترديد هتاف يختلفون معه ، و يحملون لافتات تعبر عن ما يتفقون معه فقط : كل مشارك يفعل ما يرغب به. تؤدي هذه الفردية مع الطابع التعددي للمظاهرات الى وجود حالة فوضى و تشظي في المظاهرات التي تبدو في أحيان عديدة عدة مظاهرات متداخلة لا مظاهرة معتادة لها قادة يحددون المسار و الهتاف. الا أن هذه الخاصية تؤدي الى ايجاد روح مبادرة عند النشطاء كأفراد و الذين يخرجون بأفكار جديدة باستمرار و ينفذونها بأنفسهم: من صمم صورة ، و من صاغ شعارا ، و من اقترح مكانا أو رمزا لمظاهرة.


أوروبا الشرقية
تجربة دول أوروبا الشرقية في الخلاص من ديكتاتوريات راسخة متسلطة بقيت في السلطة طويلا عن طريق حركات شعبية سلمية تصعد وصولا للعصيان المدني كانت النموذج - أو الحلم- الذي وضعته حركة التغيير المصرية نصب عينيها. قرأت الكثير من مقترحات نشطاء مصريين للمظاهرات و كان واضحا فيها التأثر بتجربة أوروبا الشرقية ، فقرأت مقترحا بتوزيع الورد على جنود الامن المركزي (من جورجيا ) و آخر باستخدام الصفافير ( من صربيا ). كان لافتا أيضا بدء المتظاهرين في حمل العلم المصري ( هذه المرة من لبنان!)

الابتكار
يحرص منظمو المظاهرات على التجديد و الابداع المستمر . لجذب انتباه الجماهير؟ للابقاء على الاهتمام الاعلامي بتقديم خبر جديد كل مرة؟ تأثرا بالرمزية الغالبة على تجربة أوروبا الشرقية في العصيان المدني ؟ طبيعة العصر الما بعد-حداثي؟ ظلت المظاهرات متجددة دوما: ارتداء السواد لاعلان الحداد ، تجمع لايقاد الشموع عند ضريح سعد زغلول رمز ثورة 1919 ، "كنس السيدة" ضد تجاوزات رجال الأمن ، تجمع عند كنيسة العذراء بالزيتون ، مظاهرة في عابدين حيث وقف عرابي متحديا الخديوي توفيق. أما تفاصيل الابتكارات الصغيرة من لافتات و صور و هتافات فأكثر من أن تحصى ، فضلا عن عدد كبير من المقترحات التي لم تنفذ و يكتب عنها نشطاء او متعاطفون مع المعارضة : ( مظاهرة بالقوارب في بحر الاسكندرية ، اطلاق بالونات في سماء القاهرة ، ...الخ). هناك شعور بأن كل مظاهرة تحمل للاعلاميين و المتابعين شيئا جديدا و مختلفا.

هناك ٨ تعليقات:

African Doctor يقول...

مقال رائع يا محمد
و رصد تحليلي جميل للمظاهرات

غير معرف يقول...

من اللطيف رصد شوية تغيرات حصلت بعد كتابة المقال

رغم أن الحركة لا زالت نخبوية لكن عدد "العاديين" المشاركين بيزيد، و بالذات في صفوف شباب من أجل التغيير و أنا مش بتكلم عن ناس وقع عليها ظلم مريع أو أحتكت بناشطين قبل كده، ناس وصلت لنا عن طريق النت و الاعلام و تكرار المظاهرات


المكون الأساسي عمال يبقى شباب و كتير منهم كان غير مسيس لحد قريب جدا


الابداع و التجديد في التظاهر كان بيقوم بيه خمسة ستة دلوقتي بقى في عشرات من الناس بتاخد مبادرات فردية و مجهود و تركيز أكبر من الحركات المنظمة في البحث عن أفكار جديدة

موضوع البالونات أتنفذ نوعا ما


شباب من أجل التغيير قاموا بمبادرات بدون اعلام (ما عدا الاعلام الشعبي طبعا) مش كرها في الاعلام لكن للسرية أحكام

ihath يقول...

إستمتعت بقرأة المقالة

غير معرف يقول...

اشعر ان شغف الأعلام قل فى التغطية و اصبح عدد الدقائق المتاحه على القنوات الأخبارية العربية قليل جدا

غير معرف يقول...

هيهيهيهيهي توقعوا اعتذار رسمي من محمد عن المقال ده، محمد حضر النهارده لأول مسيرة بدون أمن و انبهر بالوجوه الجديدة و قلة النخبة و العواجيز و أظن بعد أن شرح له أحد المتظاهرين كيفية أخفاء موس في فمه وقاية من شر البلطجية هيغير مفاهيمه خاااالص

و مبروك يا محمد و أن كنت نحست المظاهرة شوية برضه و قللت عددها

غير معرف يقول...

أنا فعلا أقر و أعترف ان التحليل ده بعيد عن الواقع الحالي الآن.
بس كان صحيح وقت كتابته في بداية شهر يوليو.

غير معرف يقول...

اه بس كان ليها شواهد و مقدمات من الأول، كان مفروض محلل سياسي مخضرم زيك ايده على نبض الشارع ياخد بالله، أنما واضح أن الكلية معلمتكوش تقيسه النبض كويس، أنا برضه بقول الصحة منهارة في البلد ليه

غير معرف يقول...

التغيير قادم لا محالة و السنةالكونية دائما إشتدى يا أزمة تنفرجى . الكمال لله وحده و لا يمكن لشعب عريق أن يظل جامداً أبدا